للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استجابة أهل بيعة الرضوان لنداء رسول الله يوم حنين]

قال: (قوله: (يا عباس! ناد أصحاب السمرة) أصحاب بيعة الرضوان، ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية.

قوله: (فقال عباس وكان رجلاً صيتاً، فوالله لكأن عطفتهم) والعطفة: الجلبة، أي: كما لو كان جيش على قمة جبل ونزل في الوادي، بلا شك أنه سيكون لهم جلبة وصوت وهمهمة وغير ذلك، فهؤلاء حينما سمعوا صوت العباس: هلموا إلى رسول الله أتوا جرياً وهم يقولون: (يا لبيك! يا لبيك!).

قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيداً، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم، فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله تعالى سكينته على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن).

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:٢٥] فرحوا وقالوا: لن نُغلب اليوم من قلة، بخلاف يوم بدر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣] أي: متذللين خاضعين عاجزين.

وفي تفسير آخر: ((أَذِلَّةٌ)) يعني: قلة في مقابلة يوم حنين كانوا كثرة {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة:٢٥]، هم اثنا عشر ألف مقاتل فقالوا: من الذي يستطيع أن يغلبنا؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ولن يُهزم اثنا عشر ألفاً من قلة) إذاً: فبماذا يهزمون؟ بسبب آخر غير الكثرة هذه، وهو الذي سمعتموه الآن: منافقين، ومشركين، وفي قلوبهم مرض، وغير مخلصين، وناس خرجت من أجل الغنيمة فقط، لكن اثنا عشر ألف مقاتل مخلص ما خرجوا إلا لله تعالى فقط، فمن الذي يستطيع غلبتهم؟ لا أحد يستطيع أبداً.

ومن الذي استطاع غلبة إخواننا في طالبان؟ فهم لم يُغلبوا، ولكن ما أصابهم الذي أصابهم إلا بسبب المنافقين.

قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:٢٥] ونحن عرفنا من الذي ولى مدبراً يوم حنين، ولم يثبت إلا بضع مئات من أصحابه عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:٢٦] حينما ولوا مدبرين بعد ذلك أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين {وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:٢٦] وهؤلاء هم جنود السماء {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:٢٦ - ٢٧].