للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث عبد الله بن عمرو في حصار الطائف]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير جميعاً عن سفيان -هؤلاء جميعاً يروون عن سفيان بن عيينة - قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو -إذا حدّث سفيان بن عيينة عن عمرو فهو عمرو بن دينار المكي - عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله بن عمرو بن العاص].

وقيل: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، أي: أن بعض الروايات أثبتت أن صاحب الرواية هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وبعضها -كما عند البخاري - أن راوي الحديث هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وبعض الروايات جمعت على سبيل الشك والجزم أنهما اثنان: عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والأمر فيها يسير، وهذا ما يسميه العلماء بالعلة غير القادحة، فيستوي عندي أن يكون هذا الراوي هو عبد الله بن عمر أو هو عبد الله بن عمرو، حتى لو قال الراوي من التابعين: حدثنا رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ولم يسمه أصلاً، لكنه ذكر صفته وقال: هو أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه من العلل غير القادحة.

أما العلل القادحة: أن يضطرب الراوي في من سمع منه: هل هو فلان أم فلان، ويكون أحدهما ضعيفاً والآخر ثقة.

فلو قال الراوي: حدثنا سفيان فقلنا: من سفيان؟ اختلفنا هل هو ابن عيينة أم هو الثوري لا يضر هذا، وكلاهما ثقة، فهذا من العلل غير القادحة، لكن لو كان أحدهما ضعيفاً والآخر ثقة لكان هذا هو الإشكال.

[عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئاً)] أي: حاصرهم ولم يحصل قتال، وإنما الذي حصل مجرد محاصرة خارجية لسور المدينة لأهل الطائف، لكن النبي عليه الصلاة والسلام [فقال: (إنا قافلون إن شاء الله -أي: لا نقاتل، بل سنرجع بغير قتال- قال أصحابه: نرجع ولم نفتتحه؟)] استعظموا جداً أن يأتوا من المدينة إلى الطائف ليفتحوها، فتم لهم الحصار وهو نوع من الغلبة والنصر والتمكين، ثم يرجعون بغير قتال! فقالوا: كيف هذا يا رسول الله؟! نرجع ولا نقاتل هؤلاء ولا نفتتحها؟! قال: [(فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال)] يعني: في الصباح وبعد صلاة الفجر إذا كانت لكم نية في القتال فقاتلوا، وظني أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ذلك كالمنكّل بأصحابه؛ لكونهم خالفوه في أمره: (إنا قافلون إن شاء الله) أو: (إنا قافلون غداً) يعني: غداً سنرجع إلى بلادنا بغير قتال، ولكنه قال: إن شاء الله، فعلّق الأمر على مشيئة الله، وربما غر هؤلاء تلك المشيئة فقالوا: (نرجع ولم نفتتحه يا رسول الله؟! قال: اغدوا على القتال) أي: في الصباح قاتلوا هؤلاء، وإنما فعل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام لعلمه بقوة القتال لأهل هذه القرية، أو بقوة عدتهم وزيادة عددهم وغير ذلك.

وهذا يذكرني تماماً بنهيه عليه الصلاة والسلام عن الوصال في الصيام، قالوا: (يا رسول الله! إنك تواصل، فقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) فلما أُخبر أن بعض أصحابه واصل أمرهم بالوصال، وليس ذلك من باب التشريع ولكن من باب التنكيل والتأديب لأصحابه رضي الله عنهم وصلى الله على نبينا محمد، فلما واصلوا ثلاثة أيام كادوا يقعون من شدة الجوع والإعياء والتعب، وما أنقذهم من ذلك المأزق إلا دخول العيد، وصيامه حرام، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (لو طالت بكم الأيام -أي: أيام رمضان- لواصلت بكم) كالمنكّل لهم والمؤدب لهم.

وبعضهم يقول: هذا رسول الله الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو ليس في حاجة إلى العبادة، وهو أول من تنشق عنه الأرض، ولا يدخل أحد الجنة إلا من بعده، وغير ذلك من مناقبه وشمائله عليه الصلاة والسلام.

وكان هناك ثلاثة تقالّوا عبادته: أما أحدهما فيقول: أنا أصوم ولا أفطر.

والثاني يقول: أنا لا أتزوج النساء.

والثالث يقول: أنا أقوم الليل ولا أرقد.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألستم القائلين كذا وكذا؟ قالوا: نعم.

يا رسول الله! قال: أما إني أتقاكم وأخشاكم له، ولكني أقوم وأرقد، وأتزوج النساء، وأصوم وأُفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

قوله عليه الصلاة والسلام: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له).

أي: أنا أعلمكم بالله، وكلما ازداد المرء علماً ازداد لله عبادة وطاعة، فهو يصحح لهم عليه الصلاة والسلام خطأً في أذهانهم، فهم تصوروا أنه ما دام هو أتقى الناس وأخشى