للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (صنفان من أهل النار لم أرهما)]

قال: [حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما)].

أي: هذان الصنفان من أهل النار لم يكونا في زمانه.

قال: [(قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)].

ولا يلزم أن هذه السياط كأذناب البقر، المهم أنها كناية عن ظلم العباد.

قوله: (يضربون بها الناس).

أي: بغير حجة ولا برهان ولا ذنب اقترفوه، ولذلك يقول الإمام النووي: (هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة).

هؤلاء الظلمة الذين يضربون الناس ويعذبون الناس بغير ذنب ارتكبوه، ولا جريرة اقترفوها.

قال: [(ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة)].

والبخت هي الإبل.

قال: [(لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)].

والحكم النهائي أن هذان الصنفان لا يدخلان الجنة، ولا يشمان رائحتها.

قال: [(وإن ريحها ليوجد من مكان كذا وكذا)، وفي رواية: (من مسيرة خمسمائة عام)].

أما معنى الكاسيات العاريات ففيه أقوال لأهل العلم، أحدها: كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها.

والثاني: كاسيات من الثياب، عاريات من فعل الخير، والاهتمام لآخرتهن، والاعتناء بالطاعة.

الثالث: يكشفن شيئاً من أبدانهن إظهاراً لجمالهن، فهن كاسيات في الحقيقة عاريات.

والرابع: يلبسن ثياباً رقيقة تصف ما تحتها، فهن كاسيات عاريات في المعنى.

وأما: (مائلات مميلات) فقيل: الميل هو الانحراف، والزيغ، فهن زائغات عن طاعة الله تعالى، وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها، ومميلات أي يعلمن غيرهن مثل فعلهن.

وقيل: مائلات أي: متبخترات في مشيتهن، مميلات لأكتافهن.

وقيل: مائلات يتمشطن المشطة الميل وهي مشطة البغايا، معروفة لهن.

مميلات: يمشطن غيرهن تلك المشطة.

وقيل: مائلات إلى الرجال، مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها.

وأما قوله: (رءوسهن كأسنمة البخت) فمعناه: يعظمن رءوسهن بالخمر والعمائم، يعني: المرأة تضع عمامة على رأسها، والعمامة هي كل ما يعم الرأس عن الرجل والمرأة كالخمار تماماً، فهن يعممن رءوسهن بالخمر والعمائم مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل، وهذا هو المشهور في التمثيل.

ويجوز أن يكون معناه: يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن أبصارهن عنهم، ولا ينكسن رءوسهن.

واختار القاضي أن المائلات: تمشط المشطة الميلاء وهي ظفر الغدائر، وشدها إلى فوق، وجمعها في وسط الرأس، فتصير كأسنمة البخت، فتجعل شعرها كبة فوق رأسها.

ومراد التشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر أو الظفائر فوق رءوسهن، وجمع عقائصهن وتكسرها بما يظفرنه حتى تميل إلى ناحية من نواحي الرأس كما تميل سنام البعير، يقال: ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها.

فقد كفر بالله عز وجل واستحق الخلود في النار، فهو لا يشم رائحة الجنة أبداً ويخلد في النار، لأنه استحل ما حرم الله عز وجل بعد قيام الحجة عليه، وإذا فعل ذلك متأولاً، أو بجهل، أو بعلم أنها معصية ووقع فيها مع اعتقاده الجازم أنه عاص ويقر بذلك، فيكون معنى لا يدخلن الجنة: أي: أولاً مع الداخلين، يعني: لا يدخلن في أول الأفواج التي تدخل الجنة، ولكنهم يدخلون بعد تطهيرهم من أرجاسهم وأدناسهم في نار جهنم.