للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرح حديث: (لا يقتل قرشي صبراً)

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر ووكيع عن زكريا عن الشعبي -والشعبي هو عامر بن شراحيل قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، وكان من أوثق الناس- قال: أخبرني عبد الله بن مطيع عن أبيه -أي: مطيع بن الأسود قيل: العدوي وقيل العذري المدني، وعبد الله بن مطيع له رؤية للنبي عليه الصلاة والسلام، أما أبوه فمن أصحابه عليه الصلاة والسلام ولا خلاف في ذلك، أسلم يوم الفتح، فهو من مسلمة الفتح، وكان اسمه العاص فسماه النبي صلى الله عليه وسلم مطيع؛ لأن الطائع ضد العاص، والأصل أن العرب يقولون: العاصي ولكن المحدثين يقولون: العاص.

أي: أن المحدثين يقولون عمرو بن العاص، أما اللغويون فيقولون: عمرو بن العاصي، وغير ذلك من الأسماء فالمحدثون يحذفون الياء واللغويون يثبتون الياء.

فحينما كان في لسان العرب اسمه: العاصي وأسلم سماه النبي عليه الصلاة والسلام مطيعاً.

فالذي زكاه هو النبي عليه الصلاة والسلام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يغيّر الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة، كما أراد أن يغير اسم حزن؛ لأن الحزن بمعنى: الصعب الشديد.

قال ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل.

قال: لا.

أنا حزن، السهل يرتقى -يعني: دعني كما أنا حزن - وهو جد سعيد بن المسيب، فـ سعيد بن المسيب بن حزن أبوه وجده صحابيان، وسعيد من كبار التابعين، ومن أئمة الدين، ومن علماء المدينة المنورة.

قال سعيد: لا زلنا نشعر بالحزونة.

أي: بالحدة والشدة والغلظة، مع أن أهل المدينة لا يتصفون بذلك؛ وذلك لأن جده رد على النبي عليه الصلاة والسلام اسم سهل، فلو قبِله لكانت فيه السهولة وفي أولاده.

قال: [سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: (لا يُقتل قرشي صبراً بعد هذا اليوم -أي: بعد فتح مكة- إلى يوم القيامة)].

فهذه شهادة من النبي عليه الصلاة والسلام لقريش -وهم من أهل مكة- أنهم لا يُقتلون صبراً إلى قيام الساعة.

قال: [حدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي -وهو عبد الله بن نمير - حدثنا زكريا بهذا الإسناد.

وزاد: قال: ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش غير مطيع].

أي: ممن كان اسمه في قريش العاص، العاص بن فلان والعاص بن فلان، والعاص بن فلان وكانوا أكثر من عشرين، لم يسلم منهم يوم الفتح إلا هذا الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم مطيعاً.

ومعنى (لا يُقتل قرشي صبراً بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة): الإعلام بأن قريشاً يسلمون كلهم.

وهذه من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وإخباره بالغيب، ودليل ساطع من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.

فقوله: (لا يقتل قرشي صبراً) ليس نفياً بأن يقتل القرشي صبراً، وإنما هذا إخبار أن قريشاً كلهم سيسلمون، وفعلاً لم يبق أحد من قريش على الكفر والشرك، فهذا إعلام منه عليه الصلاة والسلام بأن قريشاً يسلمون كلهم، ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده ممن حورب وقتل صبراً.

وليس المراد: أنهم لا يقتلون ظلماً صبراً، فقد جرى على قريش أكثر من معركة قُتلوا فيها صبراً.

وإنما معناه: أن كل قريش يدخلون في دين الإسلام.