للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث شقيق بن سلمة وذكره خطبة سهل بن حنيف في صفين]

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا ابن نمير -وتقاربا في اللفظ- حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن سياه قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل -وهو شقيق بن سلمة - قال: (قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم)].

سهل بن حنيف كان من الذين قاتلوا يوم صفّين، وكانت الحرب بين الخوارج وبين علي بن أبي طالب، وكان سهل بن حنيف في جانب علي بن أبي طالب، وكان أصحاب معاوية حينما أحسّوا بالخطر رفعوا المصاحف على أسنة الرماح، وبعض ممن كان مع علي بن أبي طالب: قال: كيف نقاتل قوماً رفعوا كتاب الله.

ولكن علي بن أبي طالب كان فطناً فعلِم أن هذه خدعة، فاضطر إلى التحكيم والصلح وكان أصحابه يرفضون الصلح، فقام سهل بن حنيف خطيباً فيهم وقال: (أيها الناس! اتهموا أنفسكم) أي: أنه ينبغي أن تعتقدوا أنكم أخطأتم، ويجب أن تكونوا تبعاً لإمامكم علي بن أبي طالب؛ لأنه أعرف الناس وأفهمهم وأفظنهم، وإذا اختار الإمام خيرة فلا يجوز لأحد ممن كان معه أن يرى شيئاً آخر، وإن رأى شيئاً آخر فلا ينبغي أن يخالف في العمل إمامه؛ لأننا كنا في صلح الحديبية ننكر على النبي عليه الصلاة والسلام تلك الشروط التي وافق عليها في صلح الحديبية، ثم تبيّن لنا بعد ذلك أن الخير كل الخير فيما وافق النبي عليه الصلاة والسلام عليه.

قال: [(أيها الناس! اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه سلم وبين المشركين، فجاء عمر بن الخطاب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: نعم.

قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى.

قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا)] أي: بما أنك توافقني في أننا على الحق وهم على الباطل، وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فلماذا اخترت هذا الدون ووافقت على هذه الشروط؟ يا رسول الله دنية ونحن لا يمكن أن نوافق عليها، والدنية: هو الشيء الدوني الهابط النازل.

قال: [(فقال: يا ابن الخطاب! إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً.

قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظاً، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى.

قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى.

قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟)] يعني: لماذا نرجع إلى المدينة والحرب لم نعتمر أو نقاتلهم.

قال: [(فقال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً)] فكانت موافقة أبي بكر تمام الموافقة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم دليل قوي على أن أبا بكر كان ملهماً، كما يدل ذلك على المنزلة السامية لـ أبي بكر، فإن عمر لم يذهب إلى غير أبي بكر إلا لاعتقاده أن أبا بكر هو الرجل الأول بعد النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذه إشارة عظيمة جداً لمشروعية استخلاف أبي بكر، كما أن إمامة أبي بكر ثابتة بالنص الصريح الصحيح، وهناك نصوص أخرى تُفهم منها إشارات إلى إمامة أبي بكر بعد النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح)] أي: أنزل الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١] والفتح المبين: هو فتح مكة، وهذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، والله تعالى أعلم.

قال: {إِنَّا فَتَحْنَا} [الفتح:١] ولم يقل: إنا سنفتح، خاطبه بأسلوب الماضي للدلالة على تحقق ما سيأتي في المستقبل مع أنه لم يتم الفتح بعد، ولكنه سيتم.

قال: [(فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه)] عندما نزلت الآيات هذه من أول سورة الفتح بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر {فقال: يا رسول الله! أوفتح هو؟)] أي: هل من المعقول أنه يعقب هذه الشروط خير وفتح [(قال: نعم.

فطابت نفسه ورجع)] طابت نفس عمر ورجع عن قوله الذي كان يقول.