للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث سبب نزول سورة الضحى]

[حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس أنه سمع جندباً يقول: (أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تأخر بنزول الوحي- فقال المشركون: قد وُدِّع -أي: قد استغنى عنه صاحبه جبريل، قلاه وابتعد عنه وتخلى عنه- فأنزل الله عز وجل {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:١ - ٣]).

((مَا وَدَّعَكَ)) رد على زعم المشركين أن جبريل ودّع محمداً وتخلى عنه، حيث قالوا: هذا الذي يزعم أن جبريل ينزل عليه فلِم لم ينزل عليه منذ فترة من الزمان؟ وقال المشركون: إن رب محمد قد أبغض محمداً وقلاه وأبعده.

فأقسم الله تعالى بعد أن أقسم على ذلك بآيتين من آياته سبحانه وتعالى بالضحى -النهار- وبالليل، أقسم بآيتين عظيمتين من مخلوقاته، والله تعالى أمرنا عند القسم أن نُقسم به وبأسمائه وصفاته وما دون ذلك شرك، ولكن الله تعالى إذا أراد أن يُقسم أقسم بالعظيم من مخلوقاته، فقال: {وَالْعَصْرِ} [العصر:١]، وقال: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:١ - ٢]، وقال: {وَالضُّحَى [الضحى:١]، وقال: {وَالشَّمْسِ} [الشمس:١]، {وَنَفْسٍ} [الشمس:٧] وغير ذلك من مخلوقات الله تعالى.

فإذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يبيّن أهمية شيء يُقسم بالعظيم من مخلوقاته، فأقسم الله تعالى هنا رداً على المشركين بـ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى:١ - ٣] يا محمد! كما يفتري هؤلاء المشركون {وَمَا قَلَى} [الضحى:٣] ولم يقل: وما قلاك.

والسياق يقول: ما ودعك وما قلاك، ولكن الله تعالى قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:٣] لينفي أدنى البغض وأدنى البُعد، فلا يكون هناك شيء قط من البُغض.

واللغة دائماً إذا كان فيها زيادة مبنى تدل على زيادة المعنى.

فقد تقول: ما جاءنا من بشير، فما الفارق بينها وبين قولك: ما جاءنا بشير؟

الجواب

اللغويون يقولون: من حرف جر زائد، إذا كان هذا من جهة الإعراب فمسلّم، وإذا كان من جهة المعنى فغير مسلّم؛ لأنه ما جاءنا من بشير أي ما جاءنا من بشير قط، وهذا نفي لجنس البشير، فقوله: (وما جاءنا بشير) لا تنفي أن يكون قد جاءهم بشيران وثلاثة وأربعة، كما تقول بالضبط ما جاءنا من ضيف.

وتقول: ما جاءنا ضيف، بل قد جاءنا اثنان وثلاثة وأربعة وضيوف، لكن (ما جاءنا من ضيف) نفي لجنس الضيافة.

فهناك فرق بين هذه الكلمات بعضها مع بعض.

قال: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع -واللفظ له- قال إسحاق: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان يقول: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً -أي: مرض النبي عليه الصلاة والسلام فترك قيام الليل ليلتين أو ثلاثاً- فجاءته امرأة فقالت: يا محمد! إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث.

قال: فأنزل الله عز وجل {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:١ - ٣]).

قال ابن عباس: ((مَا وَدَّعَكَ)) أي: ما قطعك منذ أرسلك.

وما قلى.

أي: ما أبغضك.

وسمى الوداع وداعاً؛ لأنه فراق.

وقوله: ما ودّعك هو بالتشديد خلافاً لمن قرأ: (ما ودعك) بالتسهيل.

[وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا جميعاً: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني الملائي حدثنا سفيان كلاهما عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد نحو حديثهما].