للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة سلمة بن الأكوع مع عبد الرحمن الفزاري الذي أغار على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم]

قال: [(ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه صلى الله عليه وسلم)] أي: بعث بناقته أو ببعيره أو بحماره ودابته التي كان يركبها، بعث بها إلى المدينة مع غلامه رباح.

قال: [(وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة)]؛ لأنه كان تبيعاً عنده، أي: خادماً عند طلحة بن عبيد الله.

قال: [(أنديه مع الظهر) أي: أسقيه الماء ثم أورده على المرعى، ثم أرجعه الماء، ثم أسقيه، ثم أعلفه وغير ذلك، وفي رواية: (أبديه) وهي رواية ضعيفة، ومعناه: جعلته في البادية.

قال: [(أنديه مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم)] عبد الرحمن الفزاري -وهو من أهل المدينة- قد أغار على رباح وأخذ منه الدابة التي كان يستظهرها النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(فاستاقه أجمع -فأخذه كله من رباح - وقتل راعيه قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله)] خذ الفرس هذا وأعطه لـ طلحة بن عبيد الله، ودعني مع عبد الرحمن الفزاري هذا لأنظر هل يأخذ هذا الظهر وهذا القطيع أم سأرجع به مرة أخرى، كأن رباح لم يُقتل وإنما الذي قُتل هو الراعي.

قال: [(وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه -أي: على ظهره- قال: ثم قمت على أكمة -أي: على جبل مرتفع صغير- فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فألحق رجلاً منهم فأصك سهماً في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه)] أي: أنه كلما أدرك واحداً منهم ناوله بالنبل أو بالسهم حتى يقضي عليه وعلى رحله.

قال: [(قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم)] وفي رواية: (أردّيهم) من الردى أي: الهلاك، أي فلا زلت أدرك القوم وأعقر خيولهم وأفراسهم.

[(فإذا رجع إليَّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه)] أي: أن الجيش كله يجري أمام سلمة بن الأكوع، يركبون البغال والحمير والنوق وغير ذلك، ومعهم كل الأسلحة، وهم مستعدون للحرب وما قدموا إلا للحرب، وسلمة بن الأكوع ليس معه إلا سهمه ويمشي على قدميه، رجل واحد في الأمة هذه إمكانيته.

قال: [(حتى تضايق بهم الجبل والطريق)] كأنه أراد أن يقول: دخلوا في جحر من الجبل، فانظر إلى واحد يؤثر في جيش من المشركين إلى هذا الحد.

قال: [(حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل -صعد على قمته- فجعلت أرديهم بالحجارة)].

إذاً: الحجارة التي يستخدمها المجاهدون في فلسطين لها أصل، استخدمها أخوهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

قال: [(فجعلت أردّيهم بالحجارة)] أي: كلما ألقى حجراً فأصاب واحداً أرداه قتيلاً.

قال: [(فما زلت كذلك أتبعهم، حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلّفته وراء ظهري)] أي: حتى أصبحت الغنيمة كلها وراء ظهره متمكناً من إرجاع الظهر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [(وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم)].

لم يكتف بأنه أخذ ما سلب من غلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل تبعهم بعد ذلك بالضرب والرمي.

قال: [(حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحاً، يستخفون)] أي: أنهم تركوا الذي معهم من متاع وإبل وسلاح وغير ذلك كي يستطيعوا أن يجروا.

قال: [(ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً -أي: أعلاماً- من الحجارة)] حتى إذا رجع لا يفوته شيء من لم الغنائم.

قال: [(يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى إذا أتوا متضايقاً من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان ابن فلان البدري الفزاري)] أي: من بدر -وليس ممن شهد بدراً- الفزاري، وربما يكون المقصود: هو عبد الرحمن الفزاري الذي قتل غلام النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [(فجلسوا يتضحون -أي: يتغدون في وقت الضحى- وجلست على رأس قرن)] وهو الجبل الصغير، ولك أن تتصور أنهم يجلسون على الوادي ليتغدوا، وهذا يجلس على رأس جبل صغير كالصقر ينظر إليهم.

قال: [(قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح)] أي: أن هذا الذي تستهين به لقينا منه البرح -والبرح: هو الشدة، وأذاقنا المر من الأمس إلى اليوم، [(والله ما فارقنا منذ غلس)] أي: من