للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب قول الله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم)]

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدق الحدث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

الباب السادس والأربعون من كتاب الجهاد (باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [الفتح:٢٤].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك: (أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا -أي: نزلوا- على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين)] ثمانون مشركاً نزلوا من جبل التنعيم، وهو في مدخل مكة، وكانوا متسلحين، نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون قتله هو ومن معه.

قال: [(يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه)].

أي: يتحينون غفلة منه عليه الصلاة والسلام لينقضوا عليه وعلى أصحابه.

قال: [(فأخذهم سلماً أو سلَماً)] أي: صلحاً، أي: فاصطلح معهم، عندما غلبت قوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قوة هؤلاء المشركين، فآثر المشركون السلم والصلح، فانتهزوا فرصة عرض الصلح عليهم فقبلوه، وفي لفظ: (فأخذهم سَلَماً) أي: أسرى.

فإما أن تُنطق سلِماً أو سَلَماً يعني: صلحاً أو أسرى.

قال: [(فأخذهم سلماً أو سلِماً فاستحياهم، فأنزل الله عز وجل: ((وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ)) [الفتح:٢٤]-أي: أيدي المشركين عنكم- {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح:٢٤]).

قال الإمام النووي: (فأخذهم سلماً) ضبطت بوجهين إما بفتح السين واللام، أي: سَلَماً، والثاني: بإسكان اللام مع كسر السين أي: سلْماً، وفتحها الحميدي ومعناه: الصلح.

قال القاضي في المشارق: هكذا ضبطه الأكثرون.

وفي الشرح: أن الرواية الأولى أظهر وأولى ومعناها: أسرهم.

والسَلَم هو الأسر.

وجزم الخطابي بفتح اللام والسين، قال: والمراد به الاستسلام والانقياد والإذعان، كقول الله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [النساء:٩٠] أي: الانقياد والاستسلام والإذعان والخضوع، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع.

قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقصة، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذهم أسرى، فإنهم لم يؤخذوا صلحاً، وإنما أخذوا قهراً وأسلموا أنفسهم عجزاً.

قال: وللقول الآخر -أي: سِلْماً- وجه، وهو أنه لما لم يجر معهم قتال بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم رضوا بالأسر، فكأنهم قد صولحوا على ذلك).