للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على شبهة الاحتجاج بهذا الحديث على جواز النظر إلى غير المحارم من النساء]

هنا شبهة يستخدمها كثير من الناس، يقولون: النظر إلى غير المحارم من النساء جائز، بدليل أن أبا طلحة نظر إلى خدم سوق عائشة رضي الله عنها، وهي أم المؤمنين، أي: أم أبي طلحة في المنزلة والمكانة وزيادة، وأمه في التحريم الأبدي، فلا يحل لأحد من الناس أن يتزوج بإحدى زوجات النبي وإن طلقها عليه الصلاة والسلام، فهي أم في التعظيم والتبجيل والاحترام والنكاح، وليست أماً في بقية المسائل، ولذلك إذا ماتت أم من أمهات المؤمنين فلا يحل لأحد أن يرثها إلا ورثتها.

فيقولون: هذا الحديث ظاهر في الدلالة على جواز النظر إلى ساق المرأة أو إلى ذراع المرأة، وهذا نظر وإن كانت هناك نصوص محرّمة إلا أن هذا النص يبيح النظر إليها، فهذا التحريم إما أن يصرف تماماً فلا يكون حراماً، وإما أن يكون النظر مكروهاً؛ وذلك لأن آيات التحريم لا تقع فيها أحاديث جواز النظر إلى عائشة رضي الله عنها، وإلى إحدى نساء النبي عليه الصلاة والسلام، وإلى تلك المرأة سفعاء الخدين، وغير ذلك من النصوص.

يقول الإمام النووي: (وأما السوق: فجمع ساق، وهذه الرواية للخدم لم يكن فيها نهي -أي: هذا الموضع من المرأة لم ينزل فيه النهي لأول وهلة- لأن هذا كان يوم أحد قبل أمر النساء بالحجاب، وتحريم النظر إليهن).

إذاً: تدفع هذه الشبهة من وجهين: الوجه الأول: أن هذا كان قبل تحريم النظر، وقبل نزول آيات الحجاب.

ولأنه لم يذكر هنا أنه تعمد النظر إلى نفس الساق، فهو محمول على أنه حصلت تلك النظرة فجأة بغير قصد كما لم يثبت أنه داوم عليها، فهو قبل آيات التحريم -وإن سلّمنا جدلاً أنه بعد آيات التحريم- فهذا نظر الفجأة الذي سأل عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (يا رسول الله! أرأيت لو نظرت إلى المرأة نظر الفجأة قال: اصرف بصرك فإن الأولى لك والثانية عليك).

فهذا أبو طلحة نظر إلى قدم عائشة رضي الله عنه وهي أمه قبل آيات التحريم، وكانت هذه النظرة من نظرات الفجأة، ولم يدم النظرة إليها، وإنما وقع بصره عليها ثم انصرف، فلا حجة بعد هذه التبريرات لمن تمسك بطرف هذا النص بجواز النظر إلى المرأة الأجنبية.

والعجيب أن بعض المذيعات كن يقدمن برنامجاً، وقد استضفن فيه بعض علماء مشايخ الأزهر، فحينما أنكر المسلمون على هذا الشيخ كيف تجلس مع امرأة متبرجة تنظر إليها وتنظر إليك؟ أجاب هذا الشيخ بهذا الحديث، وبلا شك أنه إذا أجاب بهذا الحديث وكان المعترض عليه جاهلاً بهذا الحديث أو بتأويل هذا الحديث لا شك أنه سيسكت، بل قد سكّت بالفعل، وكان هذا في مسجد عام كبير، يقال له: (مسجد النور) في (العباسية)، والآلاف يسمعون؛ مما جعل الناقد حين سماع هذا الحديث يسكت، فكان في سكوته فتنة عظيمة للمستمعين عظيماً؛ لأن الحديث صحيح، وهو ظاهر في الجواز، وهذا فرق كبير جداً بين من ينتهج في فهم النصوص منهج السلف ومنهج الخلف، أما الذي ينتهج نهج الخلف فلا يضره أن يسمع الحديث من فلان أو علان بفهمه هو، ولكن الرجل الذي يحرص أن يفهم دينه على مذهب السلف لا بد أن يرجع إلى النص ويعلم ماذا قال فيه السلف، فبعد سماعنا لهذا النص ومعرفتنا بتأويله، وأن ذلك كان قبل التحريم، ولو سلّمنا أنه بعد التحريم فهو محمول على الفجأة، وكل منهما جائز مباح، وفي ذلك عصمة لنا، ودائماً كلام السلف رضي الله عنهم عصمة لهم ولمن بعدهم.