للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة]

الباب الحادي عشر: (باب: تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة).

وكانت الغنائم محرمة على كل نبي سبق إلا على نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى أمته كذلك، فهي حلال للنبي عليه الصلاة والسلام ولأمته معه ومن بعده صلى الله عليه وسلم.

فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [(غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن)] أي: أنه عقد على امرأة، ولم يبن بها؛ لأن هذا الرجل مشغول بامرأته وبيته ونكاحه، ومشغول بيوم لقائه بهذه المرأة، وهذا يبين أن المشغول لا يصلح في الغالب في الجهاد، وإنما الجهاد يحتاج إلى تفريغ وقت وجهد وبذل للنفس والمال، وهذه أحكام تجري مجرى الغالب، وإلا فهناك من يتزوج الثانية والثالثة والرابعة ويترك هؤلاء جميعاً ويذهب للجهاد في سبيل الله، فهذا يُحفظ ولا يقاس عليه، أما الغالب فهو أن من ملك بضع امرأة فإنه لا يتفرغ للجهاد؛ ولذلك حينما روى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام عن الأنبياء السابقين لم يُعقب عليهم بالخطأ، وإنما رواه وسكت عنه.

قال: [(ولا آخر قد بنى بنياناً ولما يرفع سقفها)] أي: أن واحداً بنى بيتاً ولم يسقفه بعد، فهو مشغول جداً بإتمام هذا البناء ورفعه.

قال: [(ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات -أي: حوامل- وهو منتظر ولادها)] وهذا عند العرب له قيمة عظيمة جداً، وتتعلق به قلوبهم.

قال: [(فغزا هذا النبي فأدنى للقرية حين صلاة العصر)] أي: اقترب من القرية التي يريد أن يقاتل أهلها وقت صلاة العصر.

قال: [(أو قريباً من ذلك فقال للشمس: أنتِ مأمورة وأنا مأمور.

اللهم احبسها علي شيئاً فحُبست عليه حتى فتح الله عليه)] هذه الجزئية في الحديث غصة في حلوق من يزعمون أنهم أصحاب العقول النيرة، ويقولون: الشمس آية من آيات الله، لا تُحبس لأحد قط، ونحن نخالفهم في ذلك، وقد صح الحديث أن النبي طلب من ربه أن يحبس الشمس عليه شيئاً حتى يستطيع مواصلة القتال قبل دخول الليل؛ لأن العرب قبل دخول الليل كانوا يكفون عن القتال ولا يقاتلون في الليل، وإنما يقاتلون في النهار ويستريحون في أول الليل، ويسيرون في آخر الليل، فلما قارب فتح هذه القرية قبيل المغرب طلب هذا النبي من ربه أن يحبس الشمس في مكانها بغير نقصان أو نزول أو غروب حتى يفتح عليه القرية، فحبس الله تعالى له الشمس، وهذه آية وعلامة من علامات نبوة ذاك النبي.

قال: [(فجمعوا ما غنموا -أي: من هذه القرية- فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه)] وكانت هذه علامة قبول هذا العمل من النبي ومن أمته قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، كانوا إذا غنموا غنيمة معينة جمعوها ولم يستثنوا منها شيئاً، فتنزل من السماء نار فتأكل هذه الغنائم، وأكل النار لهذه الغنائم دليل على قبول الله تعالى لهذا العمل، فجمع هذا النبي تلك الغنائم من هذه القرية، فنزلت النار ولم تأكل وأبت أن تطعم هذه الغنائم، فأدرك النبي العلة: [(فقال: فيكم غلول)] أي: لا بد أن أحدكم غل، وأخذ من الغنائم، ولا نقول قبل توزيعها؛ لأنه لا توزيع لها، إنما التوزيع في شريعتنا.

فقال: (فيكم غلول) أنتم يا معشر المجاهدين معي قد غل أحدكم، أو غلت إحدى القبائل أو الأقوام المجاهدين معي، ولذلك أبت النار أن تأكل الغنيمة.

فقال: [(فليبايعني من كل قبيلة رجل)] كل قبيلة تندب رجلاً منها فليبايعني، ويضع يده في يدي.

قال: [(فبايعوه فلصقت يد رجل بيده)] وهذا علامة على أن الغلول في قومه، ولا يلزم أن يكون هو الذي غل.

فقال: [(فيكم الغلول.

فلتبايعني قبيلتك)] أي: واحداً واحداً [(فبايعته فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة)] أي: لصقت يد هذا النبي بيد رجلين أو ثلاثة [(فقال: فيكم الغلول.

أنتم غللتم)] أي: أنتم الذين أخذتم من الغنيمة.

قال: [(فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب.

قال: فوضعوه في المال وهو بالصعيد -أي: في ناحية من الأرض- فأقبلت النار فأكلته)].

الشاهد من هذا الحديث: قوله عليه الصلاة والسلام: [(فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا)].

فالغنائم كانت حراماً على كل أمة سبقت هذه الأمة المباركة، وأحلها الله عز وجل لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ولأمته، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أُحلت لنا خمس) وذكر من بينها الغنائم.