للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نقاش الشيخ مع أحد أفراد جماعة التكفير والهجرة]

وفيه النهي عن التعيير وتنقيص الآباء والأمهات، وإثبات أن ذلك من أخلاق الجاهلية.

وهذا اللفظ ليس على ظاهره كما توهمه الخوارج في هذا الزمان وقبل هذا الزمان من أن كل لفظ فيه براءة الذمة أو فيه: (ليس منا)، أو فيه ذكر للجاهلية، أو غير ذلك من هذه الألفاظ يحمل على الظاهر، ويخرجون صاحبه من الملة.

وعندما تناقشت مع بعض قيادات جماعة التكفير قال: لو أننا حملنا هذه النصوص على غير الظاهر لعطلنا نصوصاً كثيرة، فانظر كيف دخل عليهم الشيطان، فقال: إن النصوص التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من فعل كذا)، أو (من فعل كذا فقد برئت منه الذمة) لا بد من حملها على ظاهرها، وأن من فعل كذا فليس من المسلمين، يعني: من الكافرين، فقلت: لم يحملها هذا المحمل إلا الخوارج، قال: هم أعلم الأمة، قلت: لا يشاركك في هذا القول أحد، أي: من أهل السنة والجماعة، بل علماء الأمة قاطبة لهم تأويلات كثيرة جداً لهذه الأحاديث، وليس هذا منها، بل ما أولوا ظواهر هذه النصوص إلا رداً لهذه المقالة التي تقولها أنت الآن، فقال: إن معنى قول: من فعل كذا ليس منا، أي: ليس من أخلاقنا ولا من هدينا ولا من طريقتنا ولا من سنتنا تعطيل للنص النبوي، كما أنه من باب أولى تعطيل لكلام الله عز وجل، فقلت: إذا كان الأمر كذلك فماذا تقول في أبي ذر الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)؟ قال: كافر! قلت: هذا الرجل الذي هو أمة وحده، وله من المناقب والشمائل والفضائل ما يعجز عنه الآلاف من أصحابه عليه الصلاة والسلام، وله المنزلة العليا والمكانة السامية، وهو إن شاء الله تعالى من أهل الجنة، كيف تستبيح أن تطلق عليه هذا؟ ثم قرأت عليه ترجمة أبي ذر من كتاب سير أعلام النبلاء، وغيرها من الكتب التي ترجمت للصحابة، كمعرفة الصحابة لـ أبي نعيم، وكتاب الحافظ ابن حجر الإصابة في تمييز الصحابة وغيرها.

فقال: كل هؤلاء ليس لهم عبرة عندي، أو كلمة نحو هذه الكلمة؛ لأنه لا يعبأ ولا يحترم إلا رأسه وعقله فقط، قال: والمعلوم من لفظ الجاهلية عند الإطلاق أنه بمعنى الكفر، فقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) يعني: فيك كفر، وهكذا العلم عند هؤلاء (١+١ =٢) ليس له تأويل ولا تفسير، وهذا بلا شك كلام باطل.

وخلاصة كلامي مع هذا المنازع: أنني حكمت بيني وبينه أحد العلماء في الأردن في سنة (١٩٨٥م)، وهو الشيخ محمد إبراهيم شقرة في مكتبه في وزارة الأوقاف، وقلت: بيني وبين هذا خصومة، وأصلها: حديث أبي ذر، فقد قال فيه كذا، فاحكم بيننا.

فقال: يا بني! أنت من التكفير؟ قال: أنا من جماعة المسلمين.

قال: لا عليك من الأسماء، الآن عرفت مذهبك.

فقلت: هو قال لي كذا وكذا.

قال: لا، أنا ما قلت هذا.

قلت: إذاً تقسم على كتاب الله عز وجل ثلاثاً أنك ما قلت هذا.

قال: أنا لا أقسم.

قال الشيخ: إنما يلزمك القسم؛ لأن هذا معرض التهمة، فيلزمك القسم.

فلما أوشك على القسم هدده الشيخ وخوفه بالله عز وجل.

فقال: أنا قلت.

فقلت له: على منهجك فأنت كافر.

قال: ولم؟ قلت: لأنك كذبت، والكذب نفاق أو صفة من صفات النفاق، قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا حدث كذب)، ومن كانت فيه واحدة منها كانت فيه خصلة من نفاق، والنفاق كفر.

فقال له الشيخ: ماذا تقول الآن؟ وأنا في الحقيقة في تسلسل النقاش أوافق أبا الأشبال أنك تكفر بهذا، فما موقفك؟ قال: وأنا أوافقكم.

وسهل جداً الإيمان والكفر عند هؤلاء.