للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله]

قال: (باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله)، ومعنى نصح: أخلص في الخدمة لسيده.

قال: [حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين) أي: مرة على حسن عبادته لله، ومرة على حسن خدمته لسيده.

[وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى -وهو ابن سعيد القطان -، (ح) وحدثنا ابن نمير -وهو محمد - قال: حدثنا أبي، (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير -وهو عبد الله - وأبو أسامة -وهو حماد بن أسامة - كلهم عن عبيد الله -وهو ابن عمر العمري - (ح) وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب حدثني أسامة جميعاً عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك السابق.

حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس -وهو ابن يزيد الأيلي - عن ابن شهاب الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للعبد المملوك المصلح أجران)].

والمصلح ضد المفسد، وهذا يدل على أن هذا العبد لا يستحق الأجرين إلا إذا كان مملوكاً مصلحاً، أي: مخلصاً ناصحاً لسيده.

[(والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)].

وهذا الكلام قاله أبو هريرة، وفي بعض الروايات عند أبي داود قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (للعبد المملوك المصلح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج لأحببت أن أموت مملوكاً).

وظاهر هذه الرواية لا تدل على الإدراج، والإدراج هو: إدخال كلام في كلام آخر بياناً للمعنى، أو إظهاراً لحكم من الأحكام، أو إثبات أمنية متعلقة بنص الحديث.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (للعبد المملوك المصلح أجران)، هذا الكلام يمكن أن يصدر من النبي عليه الصلاة والسلام ولا حرج فيه.

ثم قوله: (والذي نفسي بيده) يدل على أنه تابع للحديث، ولكنه كلام مدرج، أي: ملحق بالكلام الأصل وليس منه.

فالكلام الأول: (للمملوك المصلح أجران) كلام النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، وأما قوله: (لولا الجهاد وبر أمي لأحببت أن أموت مملوكاً) فلا يمكن أن يكون هذا من كلام النبوة، فقوله: (لولا الجهاد والحج) يمكن أن يصدر هذا الكلام من النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن المستحيل أن يقول: (وبر أمي)؛ لأن أمه كانت قد ماتت منذ زمن أيام أن كان صغيراً، وكذلك لا يتمنى نبي مرسل أن يكون مملوكاً؛ لأن الثابت أن الله تعالى ما أرسل نبياً ولا رسولاً إلا من أشراف وأحساب وأنساب قومه، والرق ينزل العبد، بخلاف الحرية، والله تعالى لم يرسل رسولاً حراً فحسب، بل أرسله من أفضل أحرار قومه، ومن أحسنهم وأشرفهم نسباً، فكيف يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (وبر أمي لأحببت أن أموت مملوكاً).

كما أنه لم يكن مملوكاً قط صلى الله عليه وسلم.

قال سعيد: [وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لأجل صحبتها].

وسعيد بن المسيب هو زوج ابنة أبي هريرة، والذي يترجح لدي أن هذا الكلام وصله بلاغاً عن أبي هريرة عن طريق امرأته، يعني: ابنة أبي هريرة التي كانت تحت سعيد، فهي التي أخبرت سعيداً أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه؛ لأجل صحبتها، وهذا محمول على حج النافلة دون حج الفريضة؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم في العام السابع من الهجرة، في أعقاب غزوة خيبر أو في أثنائها، وحج مع النبي عليه الصلاة والسلام حجة الوداع، وكانت هي الفريضة لـ أبي هريرة ولم يكن حج قبلها، فيكون معنى كلامه (لولا الجهاد في سبيل الله والحج -أي: حج النافلة- وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)؛ وهذا طمعاً في أن يكون له أجران: الأجر الأول: أجر عبادة ربه.

والأجر الثاني: أجر خدمة سيده.

فهو لم يتمن الرق إلا لأجل الثواب.

وأما قوله: (إن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها)، فهذا يدل على وجوب بر الوالدين.

وقد تكلم الشافعية حول ما إذا تعارضت حاجة الوالدين مع حج