للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (الصيام جنة)]

قال: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب - القعنبي - وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا المغيرة - الحزامي - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة)] (جنة) أي: سترة ووقاية ومانع من الرفث والآثام والمعاصي، كما أنه كذلك مانع من النار.

وهذا معلوم حتى عند عامة الناس، لكن أحياناً يكون الفقه نقمة عند إنسان لا دين عنده ولا أخلاق، هو طالب علم وحافظ للعلم، لكن ما عنده دين ولا أخلاق، فتجد مثل هذا يقول: السرقة لا تؤثر على صحة الصيام.

يقول: الذي يسرق صومه صحيح مع إثم السرقة، كالذي يصلي في ثوب مسروق صلاته صحيحة، لكنه آثم بلبسه الثوب المسروق، والذي يصلي في أرض مغصوبة وهو يعلم أنها مغصوبة، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم الصلاة في الأرض المغصوبة، وحرم بناء المساجد في الأرض المغصوبة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، لكن لو صلى إنسان فيها هل صلاته صحيحة أم باطلة؟ صحيحة، لكن مع الإثم.

نقول لهذا: لو أتيت إلى واحد من عامة الناس ممن يسرق وقلت له في رمضان: لماذا لا تسرق في رمضان؟ لقال لك: نحن في الصيام، وهذا طالب العلم أجاز السرقة في نهار رمضان.

كذلك تجد العامي يترك الصلاة في غير رمضان، فإذا دخل رمضان يقول لك: أنا أصوم وأصلي، يعني: لو أنت قلت له: الجمهور على أن تارك الصلاة غير كافر، وأن عبادته الأخرى مقبولة لما قبل منك ذلك، هو عنده إما أن يصلي ويصوم أو لا يصلي ولا يصوم، لابد من الأمرين معاً، هذا فقه العوام وهذا علم العوام، فأحياناً يكون عند العوام علم لم يبلغه طلاب العلم.

إذاً: الصيام يكون بمثابة السترة في الدنيا بينك وبين المعاصي والذنوب، وفي الآخرة بينك وبين دخول النار.

فالصيام عبادة واحدة فرضها الله عز وجل فيها إسعاد البشرية في الدنيا والآخرة، فما بالك بجميع الفرائض وجميع الواجبات وجميع النوافل التي إذا فعلها عبد أحبه الله عز وجل، كما في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) كل هذا من أجل النوافل، وفي بداية الحديث: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل)، وقد جمع هذا الحديث بين فائدة الفرائض وفائدة النوافل، فأحب الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى مولاه أداء ما افترض الله عز وجل عليه، لكنه إذا زاد في النوافل وحافظ عليها وواظب عليها -وخير العمل أدومه وإن قل- فإن هذا يوصلك إلى حب الله عز وجل، والله تبارك وتعالى يجعلك من المقربين.