للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث المرأة التي أتت رسول الله تسأله عن أمها التي ماتت وعليها صوم شهر]

قال: [وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش -وهو سليمان بن مهران - عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيتِ لو كان عليها دين أكنتِ تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء)] وهذا يبين لنا أن الصيام حق لله عز وجل، كما أن هناك حقوقاً مادية بين العباد، فهناك حقوق تترتب في ذمتك للعباد، وهذه لا يغفرها الله عز وجل إلا إذا غفرها العباد، ولذلك من شروط التوبة: أن يتحلل المسلم من ذنبه إذا كان الذنب بينه وبين العباد، بأن يدفع إليهم حقوقهم أو يستسمحهم أو يستعفيهم.

أما الذي هو حق لله عز وجل فإن الله تعالى إذا شاء عفا وإذا شاء عذب، أما حقوق العباد فيلزمك أن تستبرئ منها قبل ألا يكون دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات، ولذلك سئل عليه الصلاة والسلام: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله! من لا درهم له ولا دينار، قال: المفلس هو من أتى بصلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد، ولكنه أتى وقد سب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا وهتك عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ هو من سيئاتهم، فطرحت عليه حتى طرح في النار)، هذا هو المفلس حقاً، المفلس في نظر الناس هو الذي ليس لديه فلوس، والمفلس عند الله عز وجل هو الذي أتى بكثير من الطاعات، لكنه قد تعدى على الناس ولم يتحلل منهم، والغني والثري والهنيء والسعيد من أتى بصلاة وصيام وزكاة، وتحلل من حقوق العباد في الدنيا، قبل أن يدفع ما أتى به من طاعة إليهم، في موقف لا يصلح فيه المال ولا البنون.