للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام النووي في أحاديث باب (الناس تبع لقريش)، و (الخلافة في قريش)]

قال الإمام النووي عليه رحمة الله: (هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة).

وأنتم تعلمون أن أفضل الإجماع ما أجمعت عليه الصحابة، فالإجماع الذي ليس محل نزاع ولا اختلاف هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فانعقد إجماع الصحابة أن الخلافة والإمارة العامة في قريش لا في غيرهم، ولا يمنع أن يكون الخليفة العام يولي ولاة على الأمصار من غير قريش؛ لأن المقصود بالإمارة هنا: ليست الإمارة الخاصة أو إمارة الدويلات، أو الدول والأمصار التابعة للولاية العامة، وإنما المقصود في هذه النصوص: الإمارة العامة والخلافة العامة.

أي: الخليفة الكبير الذي يعيّن ولاة على الأمصار، فلا بأس أن يكون الولاة على الأمصار من قريش أو من غير قريش، وإنما الإمام العام يكون من قريش.

قال: (وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم -أي: ومن خالف في هذا الأمر وخالف في هذا الإجماع فإنه من أهل البدع- فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة.

قال القاضي -أي: القاضي عياض -: اشتراط كونه قرشياً هو مذهب العلماء كافة).

إذاً: شرط في الخليفة العام أن يكون قرشياً، وكثير من الجماعات يزعمون أن أميرهم هو الخليفة العام، ولا يصرّح بهذا إلا في أضيق الحدود وفي المجالس الخاصة، بل من الجماعات من يكفّر الجماعات الأخرى وربما كفّر عامة المسلمين لتركهم بيعة هذا الخليفة أو هذا الأمير أو ذاك الإمام، وهذا الكلام كله باطل.

ومنهم من يحتج بنصوص الإمارة العامة على جماعته، ولصالح الإمارة التي قد بايع فيها، ولا شك أن هذا كله لا يلزم المسلم، ومن مات بغير بيعة على هذا النحو في هذا الزمان فإنه لا شيء عليه.

ويحتجون بحديث: (من مات وليس في رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية) ولا شك أنك لو بايعت لأبطلت البيعات الحاصلة في الجماعات الأخرى؛ لأنها جماعات منشقة مارقة خارجة عن الجماعة الأم، وعلى ذلك لا يلزمك أن تبايع جماعة من الجماعات، وإنما الذي يلزمك أن تعبد الله تبارك وتعالى بالكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة، وخذه من أي جماعة شئت، ومن أي إمام شئت، ومن أي عالم شئت، وافهمه من أي كتاب شئت، المهم أنك لست مطالباً في هذا الزمان إلا بقال الله وقال الرسول على فهم سلف الأمة لهذه النصوص.

فهذه الجماعات التي على الساحة كلها لا يلزمني قط مبايعتها ولا مساندتها إلا فيما يتعلق بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢]، ودون ذلك خرط القتاد.

(قال القاضي عياض: اشتراط كون الإمام قرشياً هو مذهب العلماء كافة، وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد] أي: حينما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع الأنصار يريدون أن يكون الخليفة منهم، دخل عليهم أبو بكر وذكّرهم بهذه الأحاديث وهذه النصوص وأن الإمارة والإمامة دائماً في قريش لا في الأنصار، وهذا دين وحق وشرع، ليس طلباً للإمامة والزعامة، وإنما هو تحقيق للحق الشرعي الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر على أبي بكر ولا عمر أحد من الأنصار أن الخليفة يشترط فيه أن يكون قرشياً.

(قال القاضي عياض: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع).

أوردها ابن حزم في مسائل الإجماع وابن المنذر في مسائل الإجماع، ونقل الإجماع النووي والحافظ ابن حجر وغير واحد بأن الخليفة العام لا بد أن يكون قرشياً.

قال: (ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا).

أي: أن السلف والخلف كلهم متفقون على هذا الشرط.

قال: (وكذلك من جاء بعدهم في جميع الأعصار والأمصار).