للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل)]

قوله: (هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل) إلى آخره.

المقصود بهذا الكلام: أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يُقتل اعتقد أن هذا الوصف في معاوية، فقد اعتقد أن معاوية خليفة ثان في وجود الخليفة الأول؛ لمنازعته علياً رضي الله عنه، وكانت قد سبقت بيعة علي، فرأى هذا القائل أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل الأموال بالباطل، وأخذ أموال المسلمين من بيت المال، وإنفاقها على الجند لمحاربة الخليفة الأول -أي: صاحب البيعة المشروعة- يعد باطلاً؛ لأنه قتال بغير حق، فلا يستحق أحد مالاً في مقاتلته.

فقال عبد الله بن عمرو: (أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) وفيه دليل على وجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد.

قال: (أطعه) أي: أطع معاوية في طاعة الله، ومن كان على شاكلة معاوية من إمام ثان يظهر في وجود الإمام الأول تجب عليك طاعته إذا تولى بالقهر والغلبة وإعمال السيف، يجب طاعته من باب حقن الدماء.

قال له: إن الناس أطاعوا معاوية؛ لأنه ظهر وغلب في بقعة من بقاع الناس في الشام، وادعى الخلافة وطلب البيعة لنفسه، فبايعه الناس قهراً في وجود البيعة الصحيحة لـ علي بن أبي طالب.

إذاً فلِم أطاعه الناس؟ ولِم لم يقتلوه أو يدفعوا عن علي ما استطاعوا؟ لأنهم لم يقدروا على ذلك، فإن رفع أحد عقيرته بمقتضى هذه النصوص قتله معاوية.

وكأنه أراد أن يقول: إن الإمام إما أن يتولى بالنص والإجماع كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وإما أن يتولى بالقهر والغلبة كالولاية الجبرية، والنبي قد بينها عليه الصلاة والسلام.

قال: (ستكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم ينزعها الله تعالى إذا شاء أن ينزعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وهي الخلافة الراشدة للأئمة الأربعة (فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم ينزعها الله تعالى إذا شاء أن ينزعها، ثم يكون ملكاً عاضاً) كما كان في دولة بني أمية ودولة العباسيين وغيرها من الدول، حتى في زماننا هذا وفي عصرنا الحديث.

قال: (فإذا شاء الله تعالى أن ينزعه نزعه) أي: ينزع الملك العضوض (ثم يكون ملكاً جبرياً) أي: قهرياً.

يتولى الحكام سياسة الناس بالقهر والقوة والغلبة، والسيف والسنان، حينئذ يجب علينا الطاعة لا لأننا قد بايعنا، ولا للخلافة المشروعة -بل هي غير مشروعة- ولكن حقناً لدماء المسلمين وجب عليهم أن يسمعوا ويطيعوا في طاعة الله عز وجل، وألا يسمعوا ولا يطيعوا في معصية الله عز وجل، هذا باب.

وباب الطاعة لهم لحقن الدماء باب آخر، فحينئذ يجب على الناس أن يسمعوا ويطيعوا حقناً للدماء.

قال: (ثم تكون فيكم ما شاء الله أن يكون) أي: هذا الملك الجبري (فإذا شاء الله تعالى أن يرفعه رفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت).

وهذا يدل على أن ختام الخلافة ستكون على منهاج النبوة، هل هي خلافة المهدي المنتظر أو هي قبل المهدي المنتظر؟ الله أعلم.

والراجح: أن الأرض تمهّد بخلافة قبل ظهور المهدي المنتظر ونزول عيسى بن مريم.

وقد ظهرت وبدت البوادر والبشائر في هذا الزمان بهذه الصحوة المباركة التي رجع الناس فيها أفواجاً وجماعات إلى ربهم، حتى من فئات ما كان المرء يتصور قط أن واحداً منهم يرجع إلى الله، أو يتعرّف على الله عز وجل، صارت فئة مجتمعة كلها ترجع إلى الله عز وجل.

وفي هذا من المبشرات ما فيه، والتوبة والأوبة والإنابة إلى الله عز وجل تبشر بأن هذه الصحوة صحوة مباركة عاملة بالكتاب والسنة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وبهذا تتهيأ الأرض للخلافة الراشدة بإذن الله تعالى.