للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال أهل العلم في توريث المسلم من الكافر]

إذاً: المسألة فيما يتعلق بتوريث الكافر من المسلم لا تجوز، وعلى ذلك إجماع أهل العلم، ولم يخالف في ذلك أحد، أما ميراث المسلم من الكافر فقد وقع النزاع بين أهل العلم في جواز ذلك من عدمه: فالجمهور على عدم الجواز؛ أخذاً بظاهر هذا الحديث: (ولا يرث المسلم الكافر)، وقد نازع في ذلك بعض أهل العلم، فقالوا: بل يرث المسلم الكافر، واحتجوا بدليل: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

لكن هذا الحديث ورد في بيان فضل الإسلام على غيره من ملل الكفر، وهذا الذي يبدو من ظاهر الرواية، ولذلك تعجب الإمام النووي أيما تعجب ممن ذهب إلى جواز ميراث المسلم من الكافر بحجة علو الإسلام، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.

فقال عليه رحمة الله: (ليس في هذا دليل على جواز التوريث بين المسلم والكافر، وغاية ما في هذا الدليل إثبات علو الإسلام على غيره من سائر ملل الكفر، ولم يذكر الميراث من قريب ولا من بعيد؛ ولذلك لا يصلح دليلاً، والذين قالوا بجواز توريث المسلم من الكافر ورد عنهم الرأي الآخر الذي يوافق مذهب الجمهور.

قال النووي عليه رحمة الله: (ورأيهم الذي يوافَق فيه جمهور أهل العلم بمنع التوريث -أي: منع توريث المسلم من الكافر- أكثر صحة وصواباً من رأيهم الأول).

يعني: كأن النقل عن هؤلاء بجواز التوريث -أي: توريث المسلم من الكافر خاصة- في ثبوته نزاع.

وقد ورد عنهم رأي آخر وهو المنع، وأدلته قوية وأسانيده ثابتة، فكأن الأمر فيه شبه إجماع على عدم توريث المسلم من الكافر، لكن الإجماع المقطوع به: هو عدم جواز توريث الكافر من المسلم، لقول النبي الكريم: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم).

قال النووي: (وأما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع)، إذاً: عندنا مسألتان فيهما إجماع: الأولى: عدم توريث الكافر من المسلم.

والثانية: عدم توريث المرتد من المسلم.

وشبه الإجماع انعقد على عدم توريث المسلم من الكافر، وهو صواب لظاهر الرواية.