للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قطع الخفين إذا لم يجد المحرم نعلين وحكم من لبسهما دون قطع]

وقال صلى الله عليه وسلم: (إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وذكر مسلم بعد هذا من رواية ابن عباس وجابر: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين)، ولم يذكر قطعهما، وقد اختلف العلماء في هذين الحديثين، فقال أحمد: يجوز لبس الخفين بحالهما، ولا يجب قطعهما؛ لحديث ابن عباس وجابر، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرح بقطعهما، وزعموا أن قطعهما إضاعة مال، ونحن قد نهينا عن إضاعة المال.

وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يجوز لبس الخفين إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين؛ لحديث ابن عمر، قالوا: وحديث ابن عباس وجابر مطلقان، فيجب حملهما على المقطوعين؛ لحديث ابن عمر، والمطلق يحمل على المقيد، والزيادة من الثقة مقبولة، وهذه زيادة من عبد الله بن عمر.

قالوا: وقول الحنابلة-: إنه إضاعة مال ليس بصحيح؛ لأن الإضاعة إنما تكون فيما نهي عنه، وأما ما ورد الشرع به فليس بإضاعة، بل حق يجب الإذعان له.

ثم اختلف العلماء في لابس الخفين لعدم النعلين، هل عليه فدية أم لا؟ يعني: إذا لبس خفين ولم يقطعهما وليس له نعلين هل عليه فدية في هذه الحالة؟ فقال مالك والشافعي ومن وافقهما: لا شيء عليه؛ لأنه لو وجبت فدية لبينها صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه ويفدي، يعني: كأن يكون في رأسه حكة، أو ورم، أو ضرر، أو لا يصبر على شعره فإنه يحلقه وهو محرم وعليه الفدية، وكذلك من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، فإن قطعهما فلا شيء عليه، وهو المنصوص، وإن لم يقطعهما فعليه الفدية قياساً على من احتاج إلى حلق رأسه وهو محرم لعلة، والعلة في الأول هي وجود النهي.