للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسالة النووي إلى السلطان في شأن الفقهاء حين منعهم من التنقل بين المدارس والمساجد]

ومما كتبه: رسالة تتعلق بالمكوس والحوادث الباطلة، وكتب كذلك رسالة بالأمراء والخيل، وأبطل الله تعالى ذلك على يد من يشاء من عباده في دولة السعيد بن الظاهر رحمهم الله تعالى.

وكتب رسائله إلى السلطان في شأن الفقهاء، حينما رُسم بأن الفقيه لا يكون منزّلاً في أكثر من مدرسة واحدة، وكانت المدارس في دمشق (٣٠٠) مدرسة، فكان العالم الواحد يتنقل في عدة مدارس وتُجرى عليه الجرايات من كل مدرسة ينزل فيها، فحسد أحد الفقهاء هذا الوضع فوشى بهم إلى السلطان أنه لا ينبغي على الفقيه أن يبرح مدرسة واحدة، كل واحد يظل في مسجده ولا يخرج، فقال السلطان: لا ينتقل أحد من أهل العلم في مدرسة إلى مدرسة غيرها، ومن كان لديه شيء فلينقلها في مسجده أو مدرسته، إنما كونه ينتقل إلى مسجد آخر فهذا من الأمور المحرمة رسمياً وليس شرعاً، فلما رأى ذلك الإمام النووي كتب كتاباً.

قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

خدمة الشرع ينهون أن الله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونصيحة ولاة الأمور وعامة المسلمين، وأخذ على العلماء العهد بتبليغ أحكام الدين ومناصحة المسلمين، وحث على تعظيم حرماته وإعظام شعائر الدين وإكرام العلماء وطلابهم، وقد بلغ الفقهاء بأنه رُسم في حقهم بأن يغيروا عن وظائفهم، ويقطعوا عن بعض مدارسهم، فتنكست بذلك أحوالهم، وتضرروا بهذا التضييق عليهم، وهم محتاجون ولهم عيال وفيهم الصالحون والمشتغلون بالعلوم، وإن كان فيهم أفراد لا يلتحقون بمراتب غيرهم، فهم منتسبون إلى العلم ومشاركون فيه، ولا يخفى مراتب أهل العلم وفضلهم وثناء الله تعالى عليهم، وبيان مزيتهم على غيرهم، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأن الملائكة عليهم السلام تضع أجنحتها لهم، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان.

واللائق بالجناب العالي -أي بالسلطان- إكرام هذه الطائفة من العلماء وطلاب العلم، والإحسان إليهم ومعاضدتهم، ودفع المكروهات عنهم، والنظر في أحوالهم بما فيه الرفق بهم، فقد ثبت في صحيح مسلم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).

وروى أبو عيسى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه كان يقول لطلبة العلم: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجالاً يأتونكم يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً).

والمسئول ألا يُغير على هذه الطائفة شيء، وتستجلب دعوتهم لهذه الدولة القاهرة، وقد ثبت في صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟).

وقد أحاطت العلوم بما أجاب به الوزير نظام الملك حين أنكر عليه السلطان ترك الأموال الكثيرة في جهة طلبة العلم، فقال: أقمت لك بها جنداً لا ترد سهامهم بالأسحار؛ فاستصوب فعله وساعده عليه.

والله الكريم يوفق الجنابة دائماً لمرضاته، والمسارعة إلى طاعته.

والحمد لله رب العالمين.