للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة]

قال الإمام النووي: (باب: أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة)، أي: الأمر لأهل المدينة النبوية ولمن مر عليها من غير أهلها أن يحرموا من مسجد ذي الحليفة.

فميقات أهل المدينة هو ذو الحليفة، ومن أراد أن يحرم من ميقات أهل المدينة فليحرم من عند الميقات المحدد له لا قبل ذلك ولا بعده، أي: لا قبل الميقات ولا بعده؛ لأنه لو أحرم قبل الميقات يلزمه أن يحرم ثانية من الميقات، ولو أحرم بعد الميقات لزمه أن يرجع إلى الميقات أو أن يذبح دماً.

فميقات أهل المدينة هو ذو الحليفة، لأهل المدينة ولمن جاء عليها وأراد أن يخرج منها متوجهاً إلى مكة لأداء النسك، بخلاف الذي يريد أن يدخل مكة لا للنسك وإنما لتجارة أو زيارة أو غير ذلك فإن هذا لا يلزمه الإحرام؛ لأنه ما نوى أصلاً أداء النسك وإنما نوى دخول مكة، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة بغير إحرام ولا نسك، ودخل مكة بإحرام ونسك، فأما دخوله مكة للنسك فقد أحرم له، ولما أراد القتال وفتح مكة ما أحرم له؛ لأنه ما نوى النسك في هذه السنة أو في هذا العام.

ولا يجوز لأهل المدينة ولمن مر بهم وأراد النسك أن يحرم من المسجد النبوي، مع أنها أميال قلائل بين المسجد وبين الميقات.

ولذلك أحرم رجل من المسجد النبوي وصلى ركعتين ولبى من المسجد، فسمعه مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي الإمام الفقيه، فقال له: إني أخشى عليك الفتنة، قال: أي فتنة يا إمام؟ إنما هي فراسخ بيننا وبين الميقات، وأردت أن أحرم من المسجد لشرفه، قال: أما سمعت قول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].

والنبي عليه الصلاة والسلام جعل ميقات أهل المدينة ذا الحليفة، وهو أعلم بأن المسجد له شرف وله منزلة وله مكانة ومع هذا لم يحدده ميقاتاً لأهل المدينة ولمن مر بهم، فمن أحرم من المسجد النبوي ولم يحرم من الميقات الشرعي النبوي الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام يخشى عليه أن تصيبه فتنة، فهنا لابد من التزام المواقيت لكل بلد ولمن مر عليها.