للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة بناء الكعبة]

ولعلكم قرأتم في كتب أخبار مكة كما في التاريخ للطبري، والبداية والنهاية لـ ابن كثير، وتاريخ مكة للفاكهي وغير كتاب ممن عني بأخبار البلد الحرام.

أن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام هو الذي بنى أصل القواعد للبيتين: للبيت الحرام، ثم انتقل بعد ذلك إلى القدس فبنى أصل المسجد الأقصى، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: (أي المساجد وضع في الأرض أولاً يا رسول الله!؟ قال: البيت الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قيل: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة) أي: أربعون سنة بين تأسيس البيتين.

وفي القصة الطويلة التي أخرجها البخاري ومسلم في قصة دخول إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام إلى البلد الحرام قبل أن تكون بلداً حراماً، وقبل أن يكون بها أحد من الناس وإنما كانت أرضاً صحراوية، وكان موضع البيت إنما هو دوحة عظيمة جداً قد أتت عليها الرمال ثم أتت عليها السيول فاجتاحتها فبقي البيت على أصل قواعد آدم، ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ترك زوجه وولده إسماعيل في المكان المعروف، والقصة طويلة في معرفة السعي بين الصفا والمروة، وكان أول من فعل ذلك هي هاجر أم إسماعيل، ثم جبريل عليه الصلاة والسلام نفض بجناحه موضع زمزم، فلما جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام للمرة الثالثة وجد ابنه إسماعيل جالساً في مكان يبري نبلاً له، فقال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: يا أبتي افعل ما أمرك ربك، قال: إن الله أمرني أن أبني البيت ها هنا.

فبنى البيت من الركن اليماني إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود بغير زيادة ولا نقصان، والطول من جهة الركنين الشاميين، وحجر إسماعيل الموجود الآن كان في داخل الكعبة التي بناها إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأن إبراهيم رفع القواعد لقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:١٢٧].

فرفع البيت ولكنه لم يسقفه حتى قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام ببضع سنوات أتت بعد ذلك السيول فاجتاحت البيت وأخذت الحجارة حتى لم يبق إلا القواعد التي في أصل المسجد، فبنى أهل الجاهلية المسجد قبل بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام بخمس سنين، ثم اختلفوا فيمن يضع الحجر، فقالوا: نرضى بأول داخل، فكان الداخل هو محمد عليه الصلاة والسلام، فخلع ثوبه ووضع الحجر فيه وحملته كل القبائل، كل من طرف حتى وضعوه في المكان الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم قد رضوا بحكمه، فلما بنوا البيت أخرجوا منه المكان الذي كان فيه إسماعيل يبري نبله وهو المعروف الآن بحجر إسماعيل.

والحجر من البيت ولذلك لا يحل لأحد عند طوافه بالبيت أن يطوف في حجر إسماعيل؛ لأنه لا يكون قد أتم الطوفة حينئذ، فلابد أن يطوف من خارج الحجر لا من داخله؛ لأن من طاف من داخل الحجر كأنه طاف من داخل الكعبة ولم يطف حول الكعبة حقيقة.

ولذلك على أية حال فإن الكعبة بالفعل قد هدمت وبنيت على أصل القواعد الأولى ثم جاء بعد ذلك عبد الله بن الزبير وهدمها مرة أخرى وبناها على قواعدها الأولى وأدخل الحجر في الكعبة، وقال: هذا هو البناء الذي أدركنا عليه النبي عليه الصلاة والسلام.

ولكن النبي عليه الصلاة والسلام إنما منعه من نقض الكعبة وبنائها على القواعد التي يعرفها أنه خاف الفتنة؛ لأنه قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم).

والذي كان قد بناها على قواعدها الأولى هو عبد الله بن الزبير قال: إن الذي منع النبي عليه الصلاة والسلام أن يبنيها لا يمنعني؛ لأن الناس قد عرفوا الإسلام والإيمان واستقر ذلك في قلوبهم ولم يكونوا بعد حديث عهد بجاهلية، والعلة الأخرى التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم هي موجودة معي وهي النفقة.

فنقض الكعبة حجراً حجراً حتى بناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابان؛ باباً في المشرق وباباً في المغرب يدخلها الداخل من جهة المشرق ويخرج من جهة المغرب، ولكن عبد الملك بن مروان لما تولى الإمارة قال: لأنقضن الكعبة وأبنيها على ما كانت في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام وفعل وأغلق منها باباً ولم يبق إلا هذا الباب الذي هو موجود الآن، ثم بعد ذلك عوتب عبد الملك بن مروان قال: إنك قد فعلت فعلاً ود النبي عليه الصلاة والسلام أن لم يكن، ثم حدثوه بحديث عائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد) فطأطأ رأسه وبكى وقال: والله لو أعلم هذا الحديث ما نقضتها، فصار الرجل ينقض الكعبة ويبنيها في حضرة كثير جداً من أهل العلم ولا أحد يذكر أو ربما لا أحد يعرف هذا الدليل.

ولم يبلغ عبد الملك هذا الدليل إلا بعد أن نقض الكعبة وبناها، وهذا أمر عظيم جداً، وهذا يدل عل