للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض الأحكام المأخوذة من أمر النبي لكعب بن عجرة بأن يحلق رأسه]

وعنه قال: [(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه -أي: وقف عند رأسه، أو قريباً منه- ورأسه يتهافت قملاً -يعني: ينزل منه القمل نزولاً كثيراً- فقال: أيؤذيك هوامك؟ قلت: نعم.

قال: فاحلق رأسك)].

وقوله هنا: (فاحلق) ليس فعل أمر يدل على الوجوب، فإن هذه العلة إذا كان يقوى عليها صاحبها، ويمكن له أن يصبر مدة الإحرام بغير أن يحلق فهذا لا شك أولى، وهذا اتفاق أهل العلم.

أما إذا كان ذلك يؤذيه بحيث يتضرر به ضرراً بالغاً شديداً لا يحتمله، فله أن ينتقل إلى الرخصة، ولما كانت العزيمة ترك الحلق والرخصة هي الحلق دل هذا على أن هذا الأمر ليس للوجوب، وإنما هو للندب والتخيير.

فقال هنا: (فاحلق رأسك.

قال: ففي نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق بين ستة مساكين -والفرق: هو الوعاء الذي يأخذ مقدار ثلاثة آصع- أو انسك ما تيسر) يفهم من ظاهره: أنه بإمكانه أن ينسك أي شيء، حتى لو دجاجة، ولكن النسيكة أقل ما تطلق على الشاة؛ ولذلك لفظ (النسيكة) لم يستخدم إلا فيما اشترط الشرع أن يكون شاة فما فوق، أما أقل من ذلك فلا، فالنسيكة في الحج هي الهدي، وهي البقرة، أو الإبل، أو الشاة، الشاة لواحد، والبقرة لسبعة، وكذلك البعير أو الإبل.

والنسيكة كذلك في العقيقة شاتان للغلام، وشاة للجارية، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.

والنسيكة في وليمة العرس كذلك شاة لمن اختار أن يذبح دماً، وإلا فله أن يصنع لحماً، أما في العقيقة فليس له أن يصنع لحماً، حتى وإن اشترى لحماً كثيراً فإنه لا يجزئه؛ لأن العبرة في العقيقة: إهراق الدم بالنية عن فلان؛ ولذلك يسن لمن عق أن يقول حين الذبح: اللهم هذا منك وإليك، عقيقة أو نسيكة عن فلان.

فهنا قال: (أو انسك ما تيسر) أي: ما تيسر لك من الشياه، وإن تيسر له البعير أو البقرة نسكاً لا يمنع، وإن لم يتيسر له إلا الشاة فبها ونعمت، وهي خير من الصيام، وخير من الصدقة على المساكين؛ لأن الشاة ينتفع بها أكثر من ستة، وإن اختار إطعام المساكين وجب عليه أن يطعم ستة مساكين فقط.

ولا شك أن هذا النسك خير من هذا كله؛ لأن النسك نفعه يتعدى لغير الصائم، وكذلك يشمل معه الستة زيادة.