للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عناية الراعي برعيته واجتهاده في إصلاح أمورهم]

قال: [وعن عبد الله بن معقل قال: حدثني كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أنه خرج مع النبي عليه الصلاة والسلام محرماً فقمل رأسه -أي: فانتشر القمل في رأسه ولحيته- فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فدعا الحلاق فحلق رأسه)]، فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي دعا الحلاق بنفسه ليحلق رأس كعب بن عجرة حتى يكون أبلغ في اجتهاد الإمام، وهذا أدب نبوي رفيع جداً، فالأمر وإن كان في ظاهره مخالفاً، إلا أنه لما كان العذر في حق فلان ساعده الإمام بنفسه، وهذا أمر مستحب في دين الله عز وجل.

وأنتم تعلمون قصة الرجل الذي وقع على امرأته في نهار رمضان، فأتى إلى النبي عليه السلام وقال: (يا رسول الله! هلك الأبعد؟ قال: وما ذاك؟ قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان.

قال: أعتق رقبة، قال: لا أجد.

قال: صم ستين يوماً.

قال: وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام؟ قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: والله يا رسول الله! لا أجد قوت أهلي).

وبينما هو كذلك إذ أتى رجل ببرمتين من التمر، فوضعهما بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: (خذهما وأطعمهما ستين مسكيناً، قال: وهل تجد بين لابتيها -أي: بين جبليها- من هو أفقر مني ومن أهل بيتي؟ قال: اجعلها في أهل بيتك).

فهو -عليه السلام- ساعده على القيام بواجب الكفارة، مع أنه ليس مطالباً بذلك، ولكنه ساعده من باب الاستحباب والندب، فيندب لكل أمير أو مسئول أو قادر أن يساعد من وقع في الكفارة على أداء كفارته.

فـ كعب بن عجرة وإن نزلت فيه الآية خاصة إلا أنها في الحكم عامة لجميع المسلمين.

هذه رواية الباب، وكلها متفقة في المعنى، ومقصودها: أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام وعليه الفدية.

قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة:١٩٦] الآية.

وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة آصع لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة، وهي شاة تجزئ في الأضحية، وهذا شرط في النسك، وكل الأنساك إنما تقاس على الأضحية.

والأضحية يجزئ فيها شاة لا تقل عن ثمانية أشهر، وهذا مذهب جماهير العلماء، ولم يرد فيه دليل أو نص صريح يحدد عمر الشاة إلا من طرق ضعيفة، لكن مذهب الجماهير أحوط وأسلم، ألا تقل الشاة عن ثمانية أشهر، ويا حبذا لو كانت عشرة أشهر أو سنة كاملة.

ويقاس على هذه الأضحية غيرها من بقية الأنساك؛ كنسك من حلق رأسه، أو نسك من فرط في واجب من واجبات الحج، فصار عليه الدم كفارة لما فرط وأهمل، ولما تخلف عنه من واجبات الحج على ألا تنقص هذه الشاة عن ثمانية أشهر، ويفضل أن تكون أكثر من ذلك.