للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب أحد جبل يحبنا ونحبه]

الباب الثالث والتسعون: باب أحد جبل يحبنا ونحبه.

أي: باب إثبات أن جبل أحد يحبنا ونحبه.

جاء في حديث أبي حميد الساعدي أنه قال: [(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - وساق الحديث وفيه- ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث، فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال: هذه طابة -أو طيبة، أو طِيبة وهي المدينة- وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه)].

وفي رواية: (إن أحداً جبلٌ يحبنا ونحبه)، والسبب لا يعلمه إلا الله عز وجل.

وبعض أهل العلم يتأول هذا الحديث فيقول: يحبنا أهل الجبل من الإنس والجن والملائكة، لكن هذا تأويل، ولا يمنع إجراء هذا الحديث على ظاهره، وأن الله تعالى يرزق هذا الجبل الأصم تمييزاً يحب به ويبغض، كما أنطق الله عز وجل الجمادات والأحجار والمياه والحيوانات والطيور للنبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الحديث من معجزاته الكثيرة عليه الصلاة والسلام، فإن الله ميز بعض الجمادات وأعطاها تمييزاً لتبكي وليعز عليها فراق النبي عليه الصلاة والسلام، أو لتستجيب لأمره عليه الصلاة والسلام، أو تنتهي بنهيه عليه الصلاة والسلام، فلا مانع أن يرزق الله تعالى ذاك الجبل تمييزاً يحب به ويبغض، فأحب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحب أصحابه، وأحب المسلمين الموحدين جميعاً؛ لأن قوله: (إن أحداً جبل يحبنا ونحبه) (يحبنا) أي: نحن المسلمين، وقيل: الصحابة.

والراجح: أن هذا اللفظ عام يطلق ويراد به عموم الموحدين وعموم المسلمين، ولذلك: (لما صعد النبي عليه الصلاة والسلام جبل أحد هو وأبو بكر وعمر وعثمان فارتجف الجبل واهتز، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان).

فثبت أحد، ولما يرتجف بعد ذلك، وهذا يدل على أن الله تعالى رزق الجبل تمييزاً، فائتمر بأمره عليه الصلاة والسلام.