للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)]

قال: [وحدثناه محمد بن المثنى -وهو العنزي البصري المعروف بـ الزمن - ومحمد بن بشار -وهو الملقب بـ بندار - قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو الملقب بـ غندر، وغندر في لغة أهل الحجاز المشاغب، وكان محمد بن جعفر يشغب على ابن جريج؛ فلقبه بهذا- قال: حدثنا شعبة: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري إمام من أئمة الرواية، ولكنه مدلس، والمدلس إذا صرح قبل حديثه وإلا فلا، وهنا قد صرح، فقول شعبة: (سمعت قتادة يحدث عن سعيد) كأنه يقول: قال سعيد أو عن سعيد، لكن رواية قتادة عن شيوخه إذا كانت من طريق شعبة؛ فمحمولة على السماع وإن لم يصرح؛ لأن شعبة قال: أنا أكفيكم رواية قتادة؛ فإني كنت أتتبع فاه، فما قال فيه: سمعت وحدثنا رويته عنه، وما قال فيه: قال، أو عن لم أروه عنه.

والتدليس خمس مراتب، والمدلسون على خمس طبقات، والكلام في التدليس إذا كان كلاماً عاماً مطلقاً فهو محمول دائماً على النوع الثاني من التدليس.

وسنتكلم عن أنواع التدليس بعد أن ننتهي من الباب.

لكن اعلم أن حديث قتادة وإن لم يصرح فيه بالسماع إذا كان من طريق شعبة فهو محمول على السماع، فما بالك إن صرح كما هو الآن، كما لم ينفرد بهذه الرواية، إنما له عشرات الرواة وافقوه على روايته هذه.

قال: [حدثنا شعبة: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه).

وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة بهذا الإسناد مثله].

بعض الرواة صحف سعيداً إلى شعبة؛ لأنهما في الرسم واحد، فحينما تكتب سعيداً وتكتب شعبة بغير ضبط ولا نقط ولا تشكيل؛ يمكن تصحيف سعيد إلى شعبة، وشعبة إلى سعيد؛ لأن الرسم واحد، كحمزة وجمرة أو حمرة الرسم واحد، ودائماً حينما تأتي تنظر في المخطوطات القديمة تجدها بغير نقط ولا ضبط ولا تشكيل ولا غير ذلك، ولذلك تصحف على كثير من المحدثين والعلماء كثير من قراءتهم من المخطوطات القديمة.

ويدرك ذلك أهل العلم الذين تلقوا العلم من أفواه العلماء، أو أهل اللغة الذين يعرفون استقامة المعنى من عدمه في أثناء سماعهم لهذا من أفواه العلماء.

ولذلك إذا روى عن قتادة سعيد فهو سعيد بن أبي عروبة، فإذا أتاك أي إسناد في أي كتاب من كتب السنة سعيد عن قتادة وسعيد هذا غير منسوب، فهو سعيد بن أبي عروبة لا غيره، مع أنه روى عن قتادة من اسمه سعيد كثيرون، لكن بغير نسبة فهو سعيد بن أبي عروبة؛ لأنه كان معروفاً بالملازمة لـ قتادة، وعلى يديه تخرج سعيد بن أبي عروبة.