للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه؛ فإنها للذي أعطيها)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري أبو زكريا، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه؛ فإنها للذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث)].

يعني: من منح أخاه منحة، أو هبة، أو أي شيء بغير عوض؛ لأن العمرى هي عقد بغير عوض، وتسمى رقبى، وسنعرف السر في تسمية العمرى بالرقبى بعد قليل.

فقوله: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه) أي: هي له ولعقبه، أو أن الواهب المعمِر قال للمعمَر: هذه العمرى لك ولولدك من بعدك، أياً كان ولدك، الابن أو ابن الابن وإن نزل.

مثال العمرى كأن أقول لك: أعمرتك هذه الدار، أي: جعلت هذه الدار لك مدة عمرك، أو مدة عمري، فأينا مات أولاً ترد الدار إلى الثاني، ومن هنا سميت عمرى؛ لأنها متعلقة بالعمر، سواء كان هذا العمر هو عمر المعمِر أو المعمَر.

ويمكن أن تكون مقيدة، ويمكن أن تكون بغير قيد، كما لو قال المعمِر للمعمَر: أعمرتك هذه الدار على أنك لو مت قبلي ردت إلي.

وفي هذه الصورة نزاع بين أهل العلم: هل تصح العمرى ويبطل الشرط، أو أن العمرى باطلة من الأصل؟ فقوله: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه)، أي: أعطاه المعمِر هذه الدار مثلاً على اعتبار أنها تئول إلى أولاد المعَمر من بعده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإنها للذي أعطيها)، أي: فإنها للمعمَر، (لا ترجع إلى الذي أعطاها)، أي: وهبها وأعمرها؛ والعلة: (لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث) أي: أن المعمِر أو الواهب أو المعطي أعطى للمعطَى أو للمعمَر أو للموهوب له هذه الدار، وانبنى عليها أنه لما مات المعَمر انتقلت إلى ورثته، ولذلك اختلف أهل العلم في العمرى، هل هي عقد تمليك أم لا؟ واتفقوا على أن المعمَر يملك منفعة العين، لكنهم اختلفوا هل يملك الرقبة أم لا؟ يعني: هل يملك أصل الشيء المعمَر أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أن العمرى عقد تمليك لأصل الشيء ومنفعته، وإلا فكيف تنتقل الدار إلى الورثة فيرثونها من بعد المعمَر ولا تكون تمليكاً، ربما تنتقل الأذهان إلى عقود الإيجار التي لم تحدد بمدة، وهذه عقود باطلة من جهة الشرع، عقود الإيجار المعروفة بالمشاهرة عقود باطلة في الشرع؛ لأن عقود المنفعة التي بعوض أعظم شرط فيها التحديد، إلا عقود البيع فالبائع لا يحتاج إلى تحديد، إنما عقود المنفعة التي بعوض لا بد فيها من التحديد، إذا خلا عقد الإجارة عن شرط التحديد فهو عقد باطل.

إذاً: عقود إيجار الشقق والمحلات التي يؤجرها الناس مشاهرة.

يعني: تبقى مدى العمر حتى يرثها الأبناء والأحفاد، هذه العقود باطلة، فمن كان بإمكانه أن يتخلص من مثل هذا ابتغاء مرضاة الله عز وجل فإنه من باب الطاعات والأعمال الصالحة.