للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب في لقطة الحاج]

الباب الأول: في لقطة الحاج.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني أبو الطاهر، ويونس بن عبد الأعلى قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب المصري، أخبرني عمرو بن الحارث المصري، أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج) فمكة لا تلتقط لقطتها، وهذه من الأحكام الخاصة بمكة، فإذا رأيت لقطة في الأرض فأنت مخير بين أمرين: إما أن يغلب على ظنك أن الدنيا أمان وأن هذه اللقطة ستبقى في مكانها حتى يرجع إليها صاحبها فيأخذها فاتركها، وإما أن البلد ليست كذلك وأنه قد يأخذها رجل خائن ليس أميناً فيضمها إلى ماله ولا يعرفها، فحينئذ إذا أخذت هذه اللقطة وأشهدت أحد الثقات العدول على أنك التقطتها من المكان الفلاني وعرفتها أمامه ونظر إليها وشهد بذلك أو أنك أخبرته بها تفصيلاً ثم إنك ما أخذتها بعد ذلك إلا لتنشدها ولتعرفها؛ فإنه لا تحل لقطة مكة إلا لمنشد.

أي: إلا بنية التعريف أما غير ذلك فلا.

وقوله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج).

الحج رمز وإنما المقصود مكة كلها، في موسم الحج وفي غير موسم الحج.

قال: [وعن أبي سالم الجيشاني] وهو سفيان بن هانئ المصري وهو تابعي مخضرم، والتابعي هو الذي رأى أحد الصحابة أو لقيه.

والتابعي المخضرم: هو الذي أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، فهو لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو لقيه لكان من الصحابة.

ولو قلنا أن الصحابي هو من رأى النبي عليه الصلاة والسلام سنخرج من الصحابة ابن أم مكتوم مثلاً وبعض الصحابة الذين أصيبوا بالعمى قبل رؤيتهم النبي عليه الصلاة والسلام، فالصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.

فقولنا: (مؤمناً به هذا) احتراز وشرط، فلو كان رجلاً رآه مراراً ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لا يكون صحابياً؛ لأنه لم تثبت له الرؤية حال الإيمان.

أما الرجل الذي لقي النبي عليه الصلاة والسلام ولو لحظة واحدة ثم مات النبي عليه الصلاة والسلام أو مات هذا الرجل فتجوز له الصحبة بشرف النبي عليه الصلاة والسلام، ولفظ (صاحب) في اللغة لا يثبت للرجل إلا مع طول المدة وطول الصحبة وغير ذلك، لكنه في اللغة شيء وفي الاصطلاح شيء آخر في حق النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [عن أبي سالم الجيشاني، عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)] الضالة هي الحيوان الذي يقدر على أن يحمي نفسه كالجاموس والبقر والحصان والحمار بحيث لا يستطيع السبع الصغير أن ينهشه حتى يقتله، فهناك فارق بين السباع الصغيرة التي لا تؤثر في الضوال الكبيرة وبين السباع الكبيرة التي تؤثر في الضوال الكبيرة والصغيرة على السواء.

فقوله هنا: (من أوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)، فالضوال لا تلتقط إلا إذا غلب على الظن هلاكها، فالإبل لا تلتقط؛ لأن حذاءها ووكاءها وسقاءها وطعامها وشرابها معها وتستطيع أن تحمي نفسها، والأصل فيها الانطلاق والانبعاث حتى يجدها ربها أو هي ترجع إلى أرضها، لكن إذا غلب على الظن أن هذا البعير الذي يمشي في الصحراء قادم على بيت للأسود أو السباع، وأنه إذا قدم عليها هلك ولابد ففي هذه الحالة يجب التقاطها وإيواؤها وذلك للضرورة رغم أنها لا تلتقط، فلا تؤخذ إلا بنية تعريفها، فلو أخذتها وقصدت التعريف فحينئذ لا حرج علي، وهذا معنى قوله: (من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها) ولو رأيت بعيراً يتوجه إلى ناحية فيها لصوص فبلا شك أن أخذي لهذا البعير بغرض تعريفه حتى يظهر صاحبه خير من أن يذهب إلى هؤلاء اللصوص فيأخذونه ويذبحونه ويأكلونه.