للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الضيافة ونحوها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الباب الثالث: باب الضيافة ونحوها: قال أبو شريح العدوي: (سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يريد يقول: أنه متأكد، [(فقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته.

قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته)] يعني: الضيف له إكرام مدته ثلاثة أيام بلياليها، لكن يوم الجائزة هو يوم النزول.

وكان العلماء يفرقون بين البادية والمدينة، فالمدينة فيها الفنادق والمطاعم، أما البادية فليس فيها مثلما في المدينة.

واليوم الأول يسمى يوم الجائزة -أي: يوم التحفة- يعني: يكرمك فيه المضيف أكثر من إكرامه لك في بقية الأيام، ففي أول يوم يذبح لك ويحمر ويشمر لك، وبعد ذلك يعطيك مما هو موجود، لا بأس بذلك، ولو تكلف لك في كل يوم فلابد أن يقع هو في الإثم وتقع أنت في الحرج؛ لأنه ربما لا يكون قادراً على ذلك في كل يوم.

وأذكر في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل أنه نزل هو ومن معه على أحد تلاميذه فقدم لهم مائدة يتكلم عنها العرب.

يعني: تكلف لهم جداً، فقال بعض أصحاب أحمد وأظن أنه إسحاق بن منصور الكوسج قال: يا فلان لقد تكلفت.

فقال الإمام أحمد بن حنبل: دعه يفعل ما يشاء فلو جاء بالدنيا بحذافيرها بين يدي إخوانه ما وفاهم حق الأخوة.

وهذا في يوم الجائزة.

لكن لا يتصور أن تكون هذه الجائزة وهذه التحفة في كل يوم، بل هذا أمر يؤدي إلى الحرج والضيق في نفس المضيف.

والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة من المضيف على الضيف، ولذلك عبد الله بن عمر كان إذا سافر أخذ معه مولاه نافعاً، وكان إذا فرغ من الثلاثة الأيام قال: يا نافع ائتنا بطعامنا وشرابنا فنحن لا نقبل الصدقة من أحد.

يعني: الحد الفاصل ثلاثة أيام ثم بعد ذلك ينفق من كيسه وطعامه على نفسه وعلى مولاه نافع الفقيه.

وقال: [(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)].

وقال أبو شريح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤَثمه أو يؤُثمه) يعني: لا يحل لك أن تبقى عندي وتمكث أكثر من ثلاثة أيام حتى لا توقعني في الإثم، فلا يحل لك أن تحملني على الوقوع في الإثم فأقوم بطردك مثلاً.

قال: [(قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به)] يعني: ما عندي شيء أضيفك به، والغرض الشرعي هو عدم إيقاع المضيف في الإثم والحرج، ونعمة الإحساس نعمة عظيمة جداً، أن الإنسان يشعر بأخيه من غير أن يشكو له.

مثلاً: أنت ذهبت ضيفاً فإذا بهذا المضيف شديد الفقر وليس عنده شيء ينفقه على أولاده وعلى من تجب عليه العناية بهم، ثم أنت تذهب تكلفه فوق ذلك إثماً، وتريد أن تأخذ حقك الثلاثة الأيام فليس من حقك ذلك، فشرط الضيافة أن يقريك بما عنده، أما إذا كان عنده حاجة فإنه لا يأثم، فمن حقوق الأخوة الإيمانية: أن تنخلع من جلدك لا من ثيابك، وهذا هو الإحساس، أما الإنسان الذي لا يشعر بإخوانه فهذا إنسان فقد شيئاً كثيراً من دينه.

قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه.

قالوا: يا رسول الله: وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به) أي: لا يستطيع أن يقوم بحق الضيافة.

قال: [وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا)] أي: لا يضيفونا، [(فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا)] أي: يؤدون الذي عليهم وأنتم تأخذون ما لكم، [(فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)] ولم يقل: الذي ينبغي لكم، وإنما قال: (الذي ينبغي لهم) أي: بما يتناسب مع حالهم، إنسان لا يستطيع إلا أن يقدم كسر الخبز، والثاني يستطيع أن يقدم بقرة أو شاة أو بعير، فإذا كان هذا الحق لكم أن تأخذوا بعيراً فخذوه منه ولو كان ذلك على سبيل العنوة؛ لأن هذا حق لابد أن يذهب إلى أصحابه.