للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قبول توبة الكافر من كفره]

إن توبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها، وهذا بإجماع أهل العلم، فلا يفرق بين توبة الكافر من الكفر، وتوبة المسلم العاصي من معصيته.

والأصل في هذا: ما جاء في صحيح مسلم، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (لم يكن أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى شرح الله تعالى صدري للإسلام، فأتيته فقلت: يا رسول الله! مد إلي يدك لأبايعك! أي: على الإسلام، فلما مد يده قبضت يدي، فقال: ما لك يا عمرو؟ -أي: لم قبضت يدك؟ - فقلت: يا رسول الله! أبايعك على أن يغفر لي).

ومعلوم أن بغض الرسول من أعظم الكفر، فهو أراد أن يطمئن على نفسه إذا أسلم هل يغفر له في ما قد مضى أم لا؟ (فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا عمرو! أما علمت أن التوبة تجب ما كان قبلها -أي: تغفر ما كان قبلها- أما علمت أن الحج يجب ما كان قبله، أما علمت أن الهجرة تجب ما كان قبلها).

فهذه ثلاثة أعمال تغفر جميع الذنوب: الكبائر والصغائر، وإن كان الحج فيه خلاف: هل يكفر الذنوب الكبائر والصغائر، أم الصغائر فقط؟ الراجح من أقوال أهل العلم استظهاراً للأدلة: أن الحج يكفر حتى الكبائر.

ثم إن توبة الكافر من كفره تكون بالانخلاع من الكفر، والدخول في الإسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الإسلام يجب ما كان قبله)، أي: يمحو ما كان قبله، والذي قبل الإسلام إنما هو الكفر، فلو أن كافراً قال الآن: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، غفر الله تبارك وتعالى له جميع كفره وأعماله التي كان قد عملها حال كفره، أما أعماله الصالحة التي كان يعملها في جاهليته وفسقه فإنه يثاب عليها بإسلامه، وليس معنى ذلك أن جميع أعمال الكفار أعمال كفرية، بل منها ما هو صالح، ومنها ما صلاحه متعد إلى الغير، ومن المعلوم أن الكذب كان مذموماً في الجاهلية، وحديث أبي سفيان مشهور في ذلك.

وكذلك أهل الجاهلية كانوا أهل كرم ونجدة، وهذه كلها خصال حميدة، فإذا أتى بها الكفار ثم أسلموا، كافأهم الله تبارك وتعالى عليها قبل الإسلام وبعد الإسلام، وإذا ماتوا على كفرهم، فإن الله تعالى يكافئهم عليها في دنياهم؛ لأن الله تعالى يعلم أن هذا العبد سيموت على الكفر، أو يعلم أن هذا العبد سيموت على الإيمان، فإذا سبق في علم الله أن هذا العبد يموت على الكفر، لكنه كان يعمل صالحاً في حياته، فإنه يكافئه الله تعالى عليه.

ولهذا عندما يذهب المسلم إلى بلاد أوروبا أو أمريكا، فيرى هناك البلاد الجميلة، ويرى النعيم الذي هم فيه، فيحدث نفسه فيقول: في الجنة أكثر من هذا النعيم، وربما قال: هؤلاء الكفار أكرمهم الله بهذا النعيم، وذلك مكافأة منه سبحانه على أعمالهم الحسنة، فإذا ماتوا يكون الحساب وافياً كاملاً، فالله زاد لهم في الدنيا، وفتح عليهم في الدنيا، حتى إذا قدموا على الله عز وجل كانت لهم النار خالدين مخلدين فيها أبداً، ولذلك كثير من الناس من يذهب إلى هناك فيفتن بسبب ذلك.