للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أهمية الاستغفار]

والتقدير: فيستغفرون الله فيغفر لهم، ولولا أن الله تعالى يغفر الذنب لما سمى نفسه (غفوراً)، ولما سمى نفسه (تواباً)، وغير ذلك من الأسماء التي تفيد في معناها ولفظها أن الله تعالى يقبل العذر ويغفر الذنب، فلو لم يكن غفوراً فكيف يغفر؟! ولو لم يذنب العبد فما الذي يغفره الله عز وجل؟ وإذا كان العبد لا يذنب فلم يستغفر إذن؟ إنما استغفر الأنبياء لوقوعهم في الهفوات، وأنها في حقهم -كما يقول بعض أهل العلم- كالكبائر في حق سائر الناس؛ لأنهم يستشعرون عظمة من عصوه أكثر من غيرهم، ولذلك: (كان نبينا عليه الصلاة والسلام يستغفر الله تعالى في اليوم الواحد أكثر من سبعين مرة)، وفي رواية (كان يستغفره مائة مرة).

ولا تعارض بين الروايتين، فالذي يستغفر في اليوم أكثر من سبعين يمكن أن يصل استغفاره إلى مائة مرة.

وهنا بيان أهمية الاستغفار، وبيان أهمية تسمية الله عز وجل نفسه بالغفار، أو الغفور، أو التواب، أو الرحيم، وغير ذلك من الأسماء.

وهذا حديث عظيم جداً في باب الرجاء، فالعبد مهما أذنب فإن ذنبه لا يعدو كونه شيئاً، والله تعالى وسعت رحمته كل شيء، لكن لا أعطي بطاقة أو رخصة في الوقوع في الذنب، صغيراً كان أو كبيراً، ولكني أقول: إن العبد في لحظة غفلة وتسلط الشيطان إذا وقع في ذنب فيجب عليه أن يبادر ويسارع للاستغفار والتوبة.

ومن قبل قلنا: إن التوبة ليست كلاماً ولا ضحكاً ولا استهزاءً، وإنما التائب من ينفطر قلبه، ويغتم غماً يكاد الناظر إليه يقول: هذا يئس من رحمة الله، ولا معاودة لذنب، حتى وإن عاد فإنه يعزم على ألا يعود، فإن عاد بقدر الله عز وجل -وأرجو ألا يكون هذا احتجاجاً بالقدر على المعصية؛ لأن هذا من مسالك وعقائد الفرق الضالة- ووقع في الذنب مرة أخرى في لحظة غفلته وتقصيره، فإنه يلزمه أن يتوب من هذا الذنب الثاني، وهكذا إن وقع في الذنب مرة أخرى، فلا يمل من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل وإن كثرت ذنوبه.

قال: [حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب -وهو عبد الله بن وهب المصري - حدثني عياض، وهو ابن عبد الله الفهري، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي صرمة، عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم، لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم)].

أي: لو لم تذنبوا لأهلككم الله عز وجل، وأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.

قال: [حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق -وهو ابن همام الصنعاني اليمني - أخبرنا معمر -وهو ابن راشد البصري اليمني - عن جعفر الجزري -وهو ابن برقان أبو عبد الله الرقي - عن يزيد بن الأصم -وهو أبو عوف البكائي، كوفي، نزل الرقة فنسب لها- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)].

فالذي أبهم في رواية أبي أيوب الأنصاري صرح به في هذه الرواية؛ فهو لم يذكر استغفاراً في رواية أبي أيوب، وهنا في رواية أبي هريرة ذكره صراحة؛ حتى لا يحملن أحداً عدم وجود الاستغفار في رواية أبي أيوب اعتقاد أن الله تعالى يغفر لهم بغير أن يستغفروا أو بغير أن يتوبوا، فالله عز وجل جعل مثل هذا في مشيئته، فلا يعلم أحد أيغفر له أم لا يغفر له؟ أما من استغفر الله من الذنب -وهو دليل التوبة وقائدها ورائدها إلى الله عز وجل- غفر له، وهذا وعد الله تبارك وتعالى، ووعده لا يتخلف، بخلاف وعيده الذي توعد به العصاة من الموحدين، إذ هو داخل في مشيئته، إن شاء عذب وإن شاء غفر.