للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم من جهل صفة من صفات الله تعالى]

وقالت طائفة: إن هذا الرجل جهل صفة من صفات الله تعالى، وقد اختلف العلماء في حكم جاهل الصفة، وهذه مسألة اعتقادية بحتة، لكنها من فرعيات المعتقد لا من أصوله، فقال القاضي وابن جرير الطبري: الذي يجهل صفة من صفات الله عز وجل يكفر، والجمهور على أنه لا يكفر.

وأبو الحسن الأشعري صاحب المذهب قديماً كان يذهب مذهب ابن جرير الطبري، لكنه تحول عن هذا إلى مذهب بقية أهل السنة والجماعة، وقال: لا يكفر جاهل الصفة ولا يخرج عن اسم الإيمان، بخلاف جحدها، وهذا مذهب كافة أهل السنة والجماعة، وإليه -كما ذكرنا- رجع أبو الحسن الأشعري واستقر قوله؛ لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه ويراه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق، قال هؤلاء: ولو سُئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قلة، أي: يريد أن يقول: إن أكبر شاهد على هذا الكلام واقع الناس، فلو أنك سألت الناس الآن عن صفات الله عز وجل لوجدت العالم بهذه الصفات قلة قليلة من الناس، وهذا يعني أن غالب الناس يجهلون كثيراً من صفات الله عز وجل، وبالتالي فلو قلتم: يكفرون، إذاً نحن نسألكم عن الصفات، وواقع كثير من الناس أنهم لا يعلمون صفات الله عز وجل، فهل الجهل بصفة من الصفات، أو باسم من الأسماء يكفر بذلك صاحبه؟ الجاحد لها يكفر؛ لأن جحود الاسم أو جحود الصفة كفر بالله عز وجل، أما الجاهل بها فإنه لا يكفر، وإن كان يجب عليه أن يتعلم صفات المولى عز وجل.

وقالت طائفة: كان هذا الرجل في زمن فترة، وذلك حين كان ينفع مجرد التوحيد الذي يسميه العلماء: (التوحيد المجمل)، مع أنه لا يعرف شيئاً من الجزئيات والفرعيات التي هي من مقتضيات التوحيد، فربما قصر في كثير منها، لكنه على أي حال يأبى إلا أن يكون موحداً لله، بل ويحرص على ذلك، لكن حرصه لا يكفي حقيقة الواقع الذي يعيشه، وأنه في حقيقة الإيمان وحقيقة التوحيد ليس بشيء؛ لأنه يجهل معنى التوحيد ومقتضيات التوحيد، بل يفرط في كثير من شعب الإيمان.

وزمن الفترة هو ما بين نبيين، بعد اندثار معالم وشريعة نبي، وقبل بعثة نبي آخر، وأهلها هم أهل فترة، فمن كان منهم على الحنيفية السمحة فهو من أهل الجنة، ومن كان منهم على غير ذلك فقد وقع الخلاف بين العلماء بناءً على خلافهم في أصله: هل هناك تكليف قبل ورود الشرع، أم التكليف بورود الشرع؟ هذه مسألة محل نزاع بين الأصوليين، والراجح فيها: أنه لا تكليف إلا بشرع، لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥].

وقالت طائفة: يجوز أنه كان في زمن قوم شرعهم جواز العفو عن الكافر، وهذا كلام غير سديد ولا يصح؛ للمقطوع به في جميع الشرائع، وعند جميع العقلاء أن الكافر من كل فرقة وشريعة مخلد في النار، وأن النار لما خلقها الله عز وجل أعدها للكافرين، وليس للكافرين في زمن محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما للكافرين منذ أن خلق الله الخلق إلى قيام الساعة، ثم لماذا أرسل الله تعالى إليهم الرسل؟ أي: هذا الرسول الذي في شريعته العفو عن الكافر ما هي مهمته؟ وما جزاء من خالف هذا الرسول وعصاه ولم يطعه؟ وما جزاء من كفر بهذا الرسول الذي في شريعته العفو عن الكافر؟ لا يتصور هذا المذهب قط، وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة، وإنما منعناه في شرعنا بالشرع، وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨]، وغير ذلك من الأدلة.

وقيل: إن هذا الرجل قصد بذلك تحقير نفسه وعقوبتها، لعصيانها وإسرافها، رجاء أن يرحمه الله تعالى.