للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد من حديث عمر في باب الوقف]

وهناك أصل من الأصول فيما يتعلق بالوقف، وهو أنَّ الوقف على شرط الواقف، فحينما أقول لك: خذ يا فلان! ألف جنيه ووزعها على الأيتام، وذهبت فوزعتها على أبناء السبيل، هل يجوز؟ لا يجوز.

وقس على هذا.

فإذا أنا أوقفت المال على طلاب العلم فلا يجوز صرفه للأيتام، وإذا كان على الأيتام فلا يجوز لغيرهم وهكذا؛ لأن الوقف على شرط الواقف.

وفيه كذلك: أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، إنما يتبع فيه شرط الواقف، وفيه: صحة شروط الواقف، وفيه: فضيلة الوقف.

وهي الصدقة الجارية.

فالوقف هذا كان من قبل تجده مصدر غنى وثروة عظيمة من ثروات المسلمين، أما الآن فيكاد الوقف ينعدم من الأمة، وبلا شك أن هذه مسئولية الأغنياء ومسئولية وزارة الأوقاف؛ لأن وزارة الأوقاف الدافع إلى وجودها: رعاية الأوقاف من سائر الأموال: أرض، وعقار، وتنقلات، ومساجد، ودور للأيتام وغير ذلك، فالأصل في كل هذا أن المتسلط عليه هو وزارة الأوقاف.

لكن الآن لو أراد شخص أن يوقف شيئاً يخاف؛ لأن الوزارة ممتلئة بالذين لا يخافون الله والأكّالين للأموال، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يترك شيئاً، لكن فرضاً لو أنه كان للنبي عليه الصلاة والسلام مال كان أول المؤجرين له هم وزارة الأوقاف، فهذه الوزارة الآن قائمة قياماً عظيماً في الصد عن سبيل الله عز وجل؛ مما جعل الناس يخافون أن يساهموا بشيء، فكم من شخص يريد أن يبني مسجداً، ولكنه يتردد خائفاً بسبب ما يحصل في هذه الوزارة، وهذه الوزارة مسئولة أمام الله.

وأنا لديَّ مكتبة في مسجد العزيز، وأنا في الواقع أريد أن أوقفها، وقد منّ الله عز وجل عليّ بها.

وهي منّة عظيمة جداً، وفيها من الكتب ما ليس عند مئات من طلاب العلم، إذ يبلغ ثمنها حين قُدّرت منذ عشر سنوات (٦٠٠.

٠٠٠) جنيه، وقد زدت فيها كثيراً، وقد أوقفتها على مسجد العزيز، لكنني خائف أن تبيعها وزارة الأوقاف، ولو كان الأمر مستتباً والحقوق محفوظة، والوقف على شرط الواقف، وانتقل المسجد للداخلية، وهم يحفظون شرطي لأوقفت في هذه الليلة المكتبة على مسجد العزيز، فإنه لا بأس أن ينتفع بها الناس، لكن إذا دخلت في الأوقاف فإنه لا يمكن الانتفاع بها حتى تبلى.

إن مكتبة المسجد التي توليت أمرها منذ خمسة عشر عاماً مفتوحة بالليل والنهار، واعترضوني عدة مرات بأن الكتب سُرقت، قلت: دعها لتسرق، فإن الذي يسرق الكتاب إما أن يبيعه بعشرة جنيهات لمن يعرف قيمته فينتفع به، وإما أن يأخذه هو لينتفع به، المهم أنك أوقفت للقارئ مع وجود الإثم أو عدم وجوده.

والله العظيم أني وجدت امرأة تبيع أجزاء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أمام الجمعية الشرعية في المنصورة سنة (١٩٨٤) أو (١٩٨٥) فقلت لها: يا امرأة! لماذا تبيعين هذه الكتب؟ قالت: ابني تركني وغاب عني بضعة أشهر ولم يرسل لي نقوداً، فقلت لها: الكتاب بكم؟ قالت لي: الكتاب بجنيه، فأخذت منها سبعة وعشرين مجلداً، وقالت لي: منه عندي مجلدات من المطبوع، ومجلدات لفتح الباري، ومجلدات لـ مسلم، وعندي مصاحف.

المهم واشتريت منها المكتبة ونقلتها إلى بيتي، وتابعت وصول صاحبها، حتى وصل إلى المنصورة، وطبعاً علم أن المكتبة قد بيعت، ومن كمده كاد يموت، وتعرفت أنه من الأساتذة الشرعيين فتركت له رسالة في المسجد، إذا أتى فليتصل بالهاتف الفلاني، أو يأتي إلى المسجد الفلاني، وأتاني إلى قريتي وقال: أنا أشكرك لأنك حفظت المكتبة، فقلت له: أنا اشتريت المكتبة.

أتريد أن تشتري مني؟! إن المكتبة التي بيعت أحفظها لك في البيت، فأعطني نقودي وخذ مكتبتك.

والله العظيم أستاذ كبير جداً من أساتذة العيون المرموقين المعدودين في مصر، فعندما مات كان الوارث ابنه، فباع الكتب الزكية الكتاب بأربعين قرشاً، وأحد إخواننا مر بهذا البائع وهو يعرفه فوجده يبيع كتباً مكتوباً عليها: مكتبة الأستاذ الدكتور فلان، وكان هذا الأخ أستاذ لغة عربية، وقد درّس هذا الولد اللغة العربية، فأعطى الأستاذ الولد ستين جنيهاً، وحمل الكتب وهي خمسة وستون مجلداً، والله رأيتها بعيني، ودفعه إلى صبي غير مكلّف على اعتبار أن هذا الصبي يعمل طبيباً متخصصاً، فيدفعه إليه ليشتري؛ لأنه لن ينتفع بها، فهي كتب كلها متخصصة في جراحة العيون وغير ذلك.

المهم هذا الأخ الذي اشتريت المكتبة من أمه عندما قدِم وقال ما قال من كلام طيب مريح، قلت له: أنا أعطيك هذه المكتبة على أن تتزوج أختي.

قال: أفعل.

وفرح بذلك، وفرحت به فكان خير زوج لأختي، وهو إلى الآن بحمد الله تعالى طالب علم محافظ على دينه وصلاحه واستقامته.

وأسأل الله تعالى أن يتقبّل منا ومنكم، ويرزقنا وإياكم الصلاح والتقوى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.