للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب فضل مجالس الذكر]

قال: [حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا بهز - وهو ابن أسد العمي - حدثنا وهيب - وهو ابن خالد - حدثنا سهيل بن أبي الصالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة)] يعني: سياحاً يسيرون في الأرض ويسيحون فيها.

قال: [(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً)] ومعنى فضلاً أي: غير مكلفين بمهمة معينة، فلا هم من ملائكة الحساب، ولا كُتَّاب الأعمال، ولا من المكلفين بالجبال ولا المطر ولا غير ذلك، فهم فضلة الملائكة، أخذوا على أنفسهم أن يسيحوا في الأرض فإذا وجدوا مجلس علم اجتمعوا فيه.

قال: [(فضلاً يتبعون مجالس الذكر)].

وفي رواية: (يبتغون) أي: يطلبون مجالس الذكر ويبحثون عنها.

قال: [(فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم)].

ليس كذكر الصوفية والدروشة والتمائم والتبختر، بل هو ذكر الله تعالى.

أي: بالعلم النافع والعمل الصالح.

قال: [(فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا)].

أي: أن هذا الحف رأسي.

أي: يقعدون بعضهم فوق بعض حتى يكون أعلاهم عند أول سماء الدنيا، كل هذا من أجل مجلس علم، حتى تعرفوا منزلة العلم، فهو أشرف مطلوب يمكن أن يطلبه الإنسان، فطلب العلم له مناقب وشمائل لا يمكن أن تجتمع في أي شيء آخر.

قال: [(فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم؛ حتى يملئوا ما بينه وبين السماء الدنيا)].

قرأها بعض الرواة: (وحض) أي: وحض بعض الملائكة بعضاً.

والحض: الحث على الحضور، وفي رواية: (وحط) يعني: حط بعضهم على بعض حتى بلغوا السماء الدنيا، كل هذا لفضل العلم وأهله.

قال: [(فإذا تفرقوا)] أي: فإذا تفرق الناس عن مجلس العلم [(عرجوا وصعدوا إلى السماء -أي: الملائكة- فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم)] بعد أن يلتقوا بمجلس العلم وطلابه يلتقون بالله عز وجل.

قال: [(فيسألهم -وهو أعلم بهم- من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك.

قال: وماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك جنتك -اللهم إنا نسألك الجنة- قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا.

أي رب! قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك)] يعني: يستعيذون بك، ويطلبون منك الأمان.

قال: (ممَّ يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب! قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا.

قال: فكيف لو رأوا ناري)] اللهم إنا نعوذ بك من النار.

[(قالوا: ويستغفرونك.

قال: فيقول: قد غفرت لهم)] اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا [(فيقول: قد غفرت لهم.

فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا.

قال: فيقولون: رب! فيهم فلان عبد خطاء)].

هؤلاء كلهم صالحون فيهم واحد شقي، خطاء [(إنما مر فجلس معهم)] أي: كان يمشي فجلس معهم.

قال: [(فيقول الله: وله غفرت.

هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)].

يقول الإمام: (في هذا الحديث فوائد: منها: فضيلة الذكر.

وفضيلة مجالس الذكر، والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم في الذكر، وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم).

وقوله: (وبركتهم) هذا مذهب مرجوح إن لم يكن فاسداً.

قال: (قال القاضي عياض: وذكر الله تعالى ضربان -يعني: نوعان- إما ذكر بالقلب، وإما ذكر باللسان، وذكر القلب إما أن يكون سراً أو جهراً أحدهما -وهو أرفع الأذكار وأجلها-: الفكر في عظمة الله تعالى، وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه).

ثم يقول: (ويشهد لذلك حديث: (خير الذكر الخفي)).

لكنه حديث ضعيف.

قال: أحسن أنواع الذكر هو: ذكر بالقلب على جهة التدبر والتأمل في ملكوت الله عز وجل، في سماواته وأرضه ونجومه وقمره وشمسه: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١] ومن يتدبر في آيات الله عز وجل وفي خلقه وفي كونه يوقن أن لهذا الكون إلهاً مدبراً؛ لأنه لا يمكن أن يأتي هكذا بالصدفة كما يقول الدهريون، فالخالق هو الله عز وجل، وهذا الخلق كله بصنع الله عز وجل وخلقه وتدبيره، فالذي يتدبر في الكون يجد العجائب.

أذكر أنه كان لديَّ سلحفاة، وكنت أكره وجودها في البيت، لكن الأولاد يحبونها، وكنت مشفقاً عليها من الجوع والعطش، فبينما أنا كذلك أخذت أقرأ في كتاب عن حياة السلحفاة فوجدت أن السلاحف تستطيع أن تمتنع عن الطعام والشراب من أربعة أشهر إلى ستة أشهر!