للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أبي سعيد في مباهاة الله ملائكته بعباده الذاكرين]

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا مرحوم بن عبد العزيز عن أبي نعامة السعدي عن أبي عثمان]، وأبو عثمان من المخضرمين، أبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل.

[عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -وهو سعد بن مالك بن سنان - قال: (خرج معاوية على حلقة في المسجد)] أي: خرج معاوية بن أبي سفيان على حلقة في المسجد قد اجتمعوا، [(فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله.

قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)] يعني: أستحلفكم بالله ما جلستم إلا لهذا الغرض أي: لذكر الله تعالى.

[(قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك.

قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم)].

يعني: أنا ما طلبت منكم أن تحلفوا اتهاماً لكم.

[(وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثاً مني)]، هذا فيه إثبات عظم صحبة معاوية رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام، وأنه من جملة الصحابة، بل إن معاوية كان من كتبة الوحي للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو بالمنزلة العظمى والمكانة الأسمى والمنزلة العظيمة في الدين وكذلك في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

والأصل في الخلاف الذي دار بين الصحابة أنه يطوى ولا يروى، وإذا روي يروى بين الخاصة مع الكراهة فلا يروى على العامة كما فعله أخونا طارق السويدان لما تكلم عن التاريخ الإسلامي ذكر الفتنة التي دارت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ولم يكن موفقاًَ في ذلك، فضلاً أن طارق السويدان إنما يميل إلى التشيع.

أردت التنبيه بذلك لما أعلمه عنه من إنحراف عن عقيدة السلف، ومن خلط في مسائل التاريخ الإسلامي وغيره من المسائل، بل قد قال أكثر من ذلك صراحة لما قلت له: إن الشيعة يخالفون أهل السنة في أصول المعتقدات فكيف تدعو إلى التقريب بين أهل السنة والشيعة؟ قال: إذا كان الشيعة قد أخطئوا فيما ذكرت فإن عند أهل السنة من الخطأ أعظم مما عند الشيعة.

وهذا الكلام لا يخرج إلا من إنسان قد فقد عقله، ولم يعرف عن أهل السنة ولا عن عقيدتهم شيئاً، وغير ذلك من الكلام الكثير، وقد التقيت به في الكويت في شهر أغسطس الماضي.

وهو على أية حال متشدد جداً لجماعته وجماعته لا يفرقون بين هذه العقائد الفاسدة وبين عقيدة أهل السنة والجماعة في الغالب.

قال: [(وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا)] أي: نشكره على هدايته إيانا للإسلام والإيمان.

قال: [(آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك.

قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة)].

انظروا إلى فضيلة طلب العلم وذكر الله عز وجل.

يعني: الواحد منا يحتقر نفسه، ولا بد له أن يحتقر نفسه؛ لأننا في حقيقة الأمر لسنا على شيء، ولكن هو من باب التحدث بنعمة الله عز وجل أن هدانا للإسلام، وأن عصمنا بالإسلام والسنة، وهو السبيل الأوحد والصراط المستقيم، وإن كان فينا عيب وتقصير ونقص وخلط في الأعمال والسلوك، لكن حسبنا أن الله هدانا وبين لنا الطريق، وأضل غيرنا وربما هداهم للإسلام ولكنه لم يمن عليهم بطريقة سليمة صحيحة في الإسلام.

ولذلك يقول ميمون بن مهران وغيره من أهل العلم من التابعين: لا ندري أي النعمتين علينا أعظم، أن هدانا الله للإسلام أم عصمنا في الإسلام بسنة وسبيل.

يعني: الواحد لما يكون مسلماً على نهج النبوة وأهل السنة والجماعة بخلاف أن يكون مسلماً شيعياً أو رافضياً أو قدرياً أو معتزلياً أو أشعرياً أو غير ذلك من هذه الانحرافات الضالة عن عقيدة أهل السنة والجماعة.

أما أن يكون مسلماً منحرفاً أو كافراً كفراً بواحاً، فبعض الشر أهون من بعضه كما يقول ابن تيمية وغيره من أهل العلم.

لكن فضل الله عز وجل عظيم جداً أن هداك للإسلام أو أنبتك في بيئة إسلامية، وأن هداك من وسط هذه البيئة -التي لا تعرف من دين الله إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه- لمعرفة الطريق الحق.

قال: (ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) فتصور أن الله تعالى يباهي ويفاخر بنا ملائكة السماء، مع أن هؤلاء الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهم مفطورون على التكبير والتسبيح والتهليل والذكر وغير ذلك، لم يقترفوا معصية قط، وليست المعصية طريقهم، ومع هذا فالله تعالى لا يباهي بنا العصاة، ولا يباهي بنا الكفار، ولا يباهي بنا من انشغل أو غفل عن الذكر، وإنما يباهي بنا من كانت حياته من أولها إلى آخرها ذكر وتسبيح لله عز وجل.

ولذلك ا