للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمّا فعل ونظر إلى الحجر ليعلم هل نال منه وأثّر فيه نطحه، لم يجد إلا أنّ مجاهدته عادت عليه بكسر قوّته، بعد خفوق سعيه وخيبة ظنه.

كَناطحِ صخرةٍ يوماً لِيوهِنها ... فَلم يضرها وَأَوهى قرنهُ الوعِلُ

بينما الناس جذلون مسرورون بوجود سموّ الأمير الجليل محمّد علي باشا في بلادهم، وإذا بشاب من أبناء الترك قام في هذه الأيّام وكتب في إحدى الجرائد مقالة، ذمّ فيها رجل الشرق الوحيد، مؤسّس العائلة العلوية، وأكبر فخر للمصريّين. وهذا عمل لا يوافقه عليه أحد من العقلاء، وإنّه إذا كان أبناء الترك لا يريدون أن يعترفوا بجميل محمّد علي باشا وفضله، فإنّ أبناء الشام لا ينسون ما كان لهذا الأمير الكبير من الإصلاحات الهامّة والمنافع العامّة الّتي عادت على الأمّة، في كلّ ما تستدعيه ضرورياتها وحاجياتها، بالفوائد الكثيرة والثمرات الكبيرة. أجل، إنّ تاريخ مصر منذ عهده ينطق عليه بالفضل، ويشهد له بالمهارة والنبل، ويؤيّد ما اتّفق عليه المصريّون والشاميّون بل الشرقيّون جميعاً من أنّ هذا المصلح العظيم هو الّذي طيّر المدنية إلى مصر، وهناك وضعها حيث عرف كيف

يستفرخها وينتفع منها بما لا تزال تتدرّج به البلاد في طريق رقيّها وسعادتها من يوم إلى يوم، حتّى كانت قد بلغت في إبان عهده من الحضارة والعمران إلى ما صارت به وردة زاهية في يد الشرق، يتيه بها ويعجب حتّى إن الغرب نفسه كان يحسد الشرق عليها وينظر إليها من بعيد وهو لا يستطيع أن يشمّ لها ريحاً.

هذا كان خلاصة ما قاله الخطيب على مسمع منّا ومن إخوانه، أمّا أنا فلست أقدّر أسفي من أنّي أرى واحداً من أبناء المسلمين يهجو ويذمّ محمّد علي باشا وينكر فضله، بينما المسيحيّون لا يزالون يقدّرونه حقّ قدره ويعترفون له بالجميل ثمّ يقومون في المحافل ويدافعون عنه، وكان مثل هذا التركي المسلم أولى وأحقّ بالمدح والدفاع هذا، وقد كان في ضمن ما تفوّه به حضرات المحتفلين ذكر المارونيّين المستخدمين في مصر والمقيمين بها وبيان عناية الحكومة المصريّة بهم، خصوصاً الجناب الخديوي.

<<  <   >  >>