للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العاديات إلّا بمقدار ما يسافر الفكر إلى اِرتياد العلل وطلب الأسباب، أمّا من عني بالبحث والتدقيق واستنتاج الحقائق بالتحقيق فإنه لا يكتفي بتلك المناظر ولا يهمّه الالتفات إلى مجرد الظواهر، ولا يدع مثل قلعة بعلبك تفلت من يده حتّى يدور نظره حولها مراراً ويعتصر فيها فكره اعتصاراً فينتفع من أجزائها وجملتها وعمدتها وفضلتها بمعرفة ما لا يمكن أن يعرف إلّا من طريقها، ومن ثمّ نورد هنا كلمة فيلسوف بحاث في حصن بعلبك وهياكله لا بقصد أن نفيد أن هذا هو منتهى ما وصلت إليه الأفكار وآخر ما استقرّ عليه الرأي أو أن نشير إلى القطع بشيء مخصوص في موضوع لا يزال إلى اليوم مطروحاً على بساط البحث والنظر أمام المفكرين من علماء الآثار والأخبار وغيرهم، وإنّما ذلك لأن هذه الكلمة الطيّبة في حدّ ذاتها خلاصة بحث واسع ونتيجة فكر سليم، قال ذلك الفيلسوف أن هذه الهياكل القائمة في معابد القدماء وحصونهم سواء الموجود منها في صعيد مصر وفي بلاد الشام تشير إلى ما كان عليه السريانيون والكلدانيون قبل الطوفان وبعده من غلوّهم في الوثنية وعبادة الأصنام وهي مع هذا تشير أيضاً إلى قوّة هؤلاء الناس وبأسهم في غابر الزمان واستعصائهم على الأنبياء والرسل بعد أن أرشدوهم إلى الحقّ وأوضحوا لهم سبل السعادة، ومن هؤلاء الرسل الكرام النبي إلياس عليه

السلام كان قد طلب إلى قومه أن يتركوا عبادة الصنم بعل وأن يعبدوا الله عز وجل فعصوه واستمروا عاكفين على عبادة الصنم المذكور، قال تعالى: (أَتدعونَ بعلاً وَتَذرونَ أَحسنَ الخالقين الله ربّكم وربّ آبائِكم الأوّلين) وخوف أن يصيروا سدّاً بين نور الله والناس أغرقهم الله بالطوفان وأرسل عليهم العذاب الأليم في أزمان مختلفة، وتقادم عهد الزمان وآثارهم العظيمة لا تزال باقية تنادي عليهم بالويل والثبور وأنهم مع ما أوتوا من القوّة والبطش لم يعصموا أنفسهم من بأس الله إذ جاءهم فلئن كانوا أولي بأس وقوّة فالله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلا، ولمّا كانوا ظاهرين في الأرض بالقوّة لاستحواذهم على ضعاف العقول وكان في ذلك من ضرر النوع الإنساني ما فيه أشار الله في كتابه على ذمّ صنمهم القائم في أرض الشام إبّان ظهور الدين الإسلامي فقال: أتدعون بعلاً. . (الآية). فالقرآن يشير إلى أن

<<  <   >  >>