للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عدم معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشعر]

وكان المشركون يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون عنه: شاعر، وساحر، وكاهن، ومجنون، ويدعون أنه يكذب صلوات الله وسلامه عليه وحاشا له، والله عز وجل يخبر أن الشياطين تتنزل على أوليائهم الكهان وعلى الشعراء، وحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شاعراً مثلهم، وما كان يعرف الشعر ولا يجيده عليه الصلاة والسلام، ولعله يسمع بيت الشعر فإذا نطقه صلى الله عليه وسلم غيره فانعكس البيت ولم ينفع فيه الوزن، وفي هذا آية من آيات الله سبحانه، ولو أن إنساناً عربياً لا يتكلم شعراً فإنهم يعدون هذا عيباً فيه، لأنه عربي ولا يفهم الشعر، ولا يتكلم به، لكن هذا في النبي صلى الله عليه وسلم معجزة فيه صلوات الله وسلامه عليه، وأهل بيته يتكلمون بالشعر كبارهم وصغارهم، وما من أحد من قبيلته إلا ويتكلم بالشعر ويفهمه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقول الشعر، ولو كان شاعراً لادعوا أن هذا القرآن شعر، لكنهم كانوا يفهمون الشعر جيداً، ويفهمون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً، فالقرآن هذا ليس من الشعر، وليس من كلام الشعراء.

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب، وفي غيره صلوات الله وسلامه عليه قد يعد هذا عيباً من العيوب، لكن هذا معجزة له عليه الصلاة والسلام، ولو كان يقرأ ويكتب لادعوا عليه أنه ذهب وقرأ عند أهل الكتاب، ثم ترجمها إلى العربية وقالها لنا، ولكنه لم يكن يقرأ، ولا يكتب، ولا يفهم الشعر صلوات الله وسلامه عليه، ولا ينطق بالشعر عليه الصلاة والسلام.

ولما أتى رجل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع.

يعني: أتعطيني أنا وفرسي خمسين جملاً وأعطيت عيينة والأقرع كل واحد منهما مائة من الإبل، فلا يستقيم هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: أنت الذي تقول: (أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة) فهذا ليس شعراً؛ لأنه لا وزن فيه، فيقول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول رب العالمين.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق الشعر، قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس:٦٩].

والله عز وجل يخبر عن الأغلب من الشعراء أن الشياطين تنزل عليهم وتوسوس لهم بالشتم والقدح والسب والمدح؛ لكي يعطوا مالاً، فأكثر أغراض الشعراء طلب الدنيا، فالشاعر يمدح الملوك لكي يعطوه مالاً، ويذم إنساناً لأنه مقهور منه، ولذلك لما جاء شاعر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا محمد! إن مدحي زين وإن قدحي شين، قال: ذاك الله) أي: الذي مدحه زين هو الله سبحانه، والذي ذمه شين هو الله سبحانه، وأما أنت فلا شيء، ومن تكون أنت؟! فهذه صفة الله عز وجل الذي إن مدح شيئاً سبحانه فقد زانه، وإن ذم شيئاً فقد شانه.

فالشياطين تنزل بالكذب على هؤلاء الشعراء بخلاف ملائكة رب العالمين، فإنهم ينزلون بالصدق على النبي صلوات الله وسلامه عليه، فالقرآن وحي من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم أنزله عليه ولم تتنزل به الشياطين، وإنما تتنزل الشياطين على أمثال هؤلاء الذين ذكرهم الله عز وجل.

وقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:٢٢٤] أي: يجري ورائهم أهل الغواية، والشياطين تتبع الشعراء فتوسوس لهم أن اعملوا كذا وكذا، فيسمعون كلامهم ويفعلون هذا الشيء إلا من رحم الله، ولذلك استثنى في آخر الآيات فقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:٢٢٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>