للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحوال الكفار مع أنبيائهم]

قال تعالى: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:٤٦]، أي: لعل الله يرحمكم ويغفر لكم هذا الذي أنتم فيه، فكان الجواب منهم كعادة الكفار حيث قالوا: تطيرنا بك وبمن معك، بمعنى: تشاءمنا منك، وأنت شؤم علينا، وهذه عادة الكفار؛ إذ التشاؤم ليس من طبيعة المسلم.

وأصل التطير: التطيير، حيث كان الشخص منهم إذا أراد أن يعمل عملاً أخذ طائراً فأطلقه في الهواء، فإن طار شمالاً تشاءم منه، وإن طار يميناً تفاءل، واعتقد أن هذا يوم يمن وبركة، فحرم ربنا علينا ذلك، وما يصنع طير الطائر بأمر قضاه الله وقدره سبحانه؟ وما أدرى الطائر أن هذا الأمر خير أو شر؟ ومن الناس من يتشاءم بأمور أخرى، فبعضهم إذا سمع نهيق الحمار تشاءم، والبعض يتشاءم بصوت البوم، وآخرون بنقيق الضفادع، مع أن هذه الأشياء لا تملك لنفسها شيئاً فضلاً عن أن تملك لغيرها، ولا تعلم غيباً عن نفسها فضلاً عن أن تعلم لغيرها غيباً، فلا يحل لإنسان مؤمن أن يتشاءم من ذلك إذا سمعه.

وكثير من الناس عندهم عادة سيئة، فالشخص منهم إذا سمع صوت عصفور بالليل على بيته أو غراب يصيح تشاءم، والبعض منهم يقول: هذا خير؛ من أجل أن يمنع التشاؤم عن نفسه، فهذا غير جائز؛ إذ لا يملك هذا خيراً ولا شراً، وما يصيح هذا إلا لأمر من أمر الله عز وجل، أما أنه يملك خيراً أو شراً فلا يملك ذلك، إلا ما جاء في نهيق الحمار بالليل، أو نباح الكلاب (إنها ترى ما لا ترون)، حيث أنها ترى شيطاناً، أما أنها تملك لكم شيئاً في القدر، وأن من وراء ذلك خيراً أو شراً فلا.

فهؤلاء القوم {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} [النمل:٤٧]، بمعنى: تشاءمنا، فهم مع جهلهم وغبائهم يستدلون على بطلان دينه عليه الصلاة والسلام بزعمهم باتباع الضعفاء له، إذ لو كان دينه حقاً لاتبعه الأقوياء، قال تعالى: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [النمل:٤٧]، أي: إذا كنتم تقولون بالشؤم في الدنيا فشؤمكم الحقيقي نار جهنم عند رب العالمين سبحانه وتعالى.

فقد قال لهم: {طَائِرُكُمْ} [النمل:٤٧]، أي: ينتظركم عند الله.

وقوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل:٤٧]، أي: قد أهلككم الله سبحانه وأصابتكم فتنة فلا تفهمون، وفتنة الإنسان قد تكون في دينه، وقد تكون في اعتقاده صواب رأيه، فهم يفتنون حيث مالوا عن الحق إلى الباطل في آرائهم، وطمست قلوبهم فهم لا يعقلون ولا يفهمون، قال لهم: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل:٤٧]، وسوف يأتيكم الامتحان من رب العالمين سبحانه فيعذبكم بذنوبكم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>