للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ومكروا مكراً أنا دمرناهم وقومهم أجمعين)

قال الله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا} [النمل:٥٠] أي: الذين دبروا الكيد هم تسعة وهو واحد عليه الصلاة والسلام، قالوا: نذهب إليه في بيته فنقتله هو وأهله من نساء وأولاد، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:٥٠]، المكر: هو الكيد الذي دبر في الخفاء، وهذا الإنسان الذي خطط في الخفاء يأتي بمن ينفذ له هذا الشيء، فهؤلاء دبروا في الخفاء وخططوا فذهبوا إلى بيت صالح عليه الصلاة والسلام فأرادوا قتله، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل:٥٠]، فعبر بنون العظمة، فالله عز وجل العظيم سبحانه، فإذا كاد إنسان لأولياء الله سبحانه فالله يكيد له، والله عز وجل يقول: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، فكيف يصنع الله عز وجل بمن يؤذي الأنبياء؟! فذهب هؤلاء إلى بيت صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلما وصلوا كانت الملائكة أسبق إلى بيت صالح عليه الصلاة والسلام، فقتلوا التسعة النفر، وقد ظنوا أنهم مجموعة وهو وحده، فذهبوا إليه فإذا بالملائكة تقتلهم جميعهم، قال تعالى: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} [النمل:٥١]، أي: انظر وتأمل وتدبر في هذه الآية العظيمة من آيات رب العالمين سبحانه، {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:٥١]، فعبر بنون العظمة عن نفسه سبحانه وتعالى، أي: دمرنا هؤلاء ((وَقَوْمَهُمْ)) فجاء الدمار على هؤلاء، وبعد نهاية الثلاثة الأيام جاء الدمار على القوم جميعهم بصيحة أرسلها الله عز وجل عليهم، فقال هنا سبحانه: ((فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) والعاقبة: هي النتيجة، فالإنسان قد يخطط ويظن نفسه قادراً وينسى قدرة الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بذلك، فقد ورد في قصة أبي مسعود البدري رضي الله عنه: (أنه كان يضرب عبداً له، والنبي صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويقول: اعلم أبا مسعود، وأبو مسعود لم يسمع الصوت وما زال يضرب الغلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اعلم أبا مسعود - أي: انتبه أبا مسعود - فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كف عن الضرب، فقال: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك عليه)، يعني: إذا كنت قادراً عليه؛ لأنه ضعيف، فالله أقدر عليك منك عليه.

إذاً: فالإنسان يتذكر وهو في وقت غضبه وفي وقت تهوره، أنه إذا فعل شيئاً فإنه سيفعل به يوماً من الأيام، إن لم يكن في الدنيا فعذاب الآخرة أشد وأبقى.

فقوله: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [النمل:٥١]: هذه قراءة الكوفيين: عاصم وحمزة والكسائي وخلف، وكذلك يعقوب، وقراءة باقي القراء: نافع وأبي جعفر وقراءة أبي عمرو وقراءة ابن عامر وابن كثير: ((إنا دمرناهم وقومهم أجمعين)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>