للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اعتراف المشركين بربوبية الله في الآيات]

ذكر الله سبحانه وتعالى بعض أنبيائه في هذه السورة الكريمة في الآيات السابقة، وذكر كيف أنه نصرهم على أعدائهم من الكفار، وأنهم بلغوا رسالة رب العالمين سبحانه -والسورة سورة مكية أي: أنها نزلت في زمن كان يؤذى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- فكأن الله سبحانه يصبرهم بذلك، ويعلمهم بأن النهاية أن يكون النصر لأولياء الله سبحانه وتعالى، فختم بقوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:٥٩].

فقوله سبحانه: ((آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) الاستفهام في الآية لهؤلاء: أن أجيبوا عن ذلك، ومعناه التقرير بأن حقيقة الأمر: أن الله سبحانه وتعالى خير من كل شيء، فالجواب معروف منه، وكذلك كان يجيب المشركون، وقد أثبت سبحانه عليهم ذلح، حيث يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٩] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧]، فهم يجزمون بأن الله هو الخالق، وأن الله يقدر على كل شيء، وأن غيره لا يقدر على شيء، ولذلك إذا مسهم الضر في البحر {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥]، فقد اعتادوا إذا نزل بهم الضر أن يجأروا إلى الله فيقولون: يا رب! يا الله! فإذا كشف الله عز وجل عنهم ذلك رجعوا مرة أخرى إلى شركهم، فمع أنهم موقنون أن الذي ينفع ويكشف عنهم ضرهم وقت الضر هو الله سبحانه، فلذلك إذا سئلوا: آلله خير أم هؤلاء الذين تشركون؟ أجابوا: بل الله خير! فإن سئلوا لماذا تعبدون هؤلاء؟ قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، وهم بهذا الجواب يخدعون أنفسهم، حيث يقولون ذلك وهم يعتقدون خلافه.

يقول الله مبيناً نعمه سبحانه: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [النمل:٦٠]، أي: هل تستطيع هذه الآلهة الباطلة من الإنس والجن ومخلوقات أخر لو اجتمعوا أن يخلقوا السموات والأرضين؟ قال سبحانه: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:٦٠]، ومن أنزل من السماء ماءً؟ جوابهم المعروف: الله الذي فعل ذلك، فكأن الله يذكرهم بالنعم التي يتقلبون فيها ليل نهار، فيقول: هذه السموات التي تظلكم، وهذه الأرضون التي تقلكم، وهذه الشمس والقمر اللذان ينيران لكم، من الذي خلق ذلك كله؟ ولما كان جوابهم: الله سبحانه وتعالى، لم يقل لهم: أرب مع الله، وهنا نلحظ الفرق بين أن يقول: أرب مع الله، وهو مقتضى الاستفهام، أو يقول: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٠]، لأنه إن قال: أرب مع الله، فهم لم ينكروا الرب سبحانه وتعالى، فلا يحتاجون إلى مثل هذا السؤال، فقد أقروا أن الرب الذي يخلق ويدبر ذلك الكون هو الله، ولكن

السؤال

إذا كنتم تعترفون بأن الرب هو الذي فعل ذلك فهل من إله يعبد مع هذا الرب سبحانه وتعالى؟! هل يستحق من لا يخلق أن يعبد مع من يخلقه؟! لذلك كان الاستفهام إنكاراً لأفعالهم وبعدهم عن الله سبحانه وإفكهم وافترائهم على الله الكذب، فقال: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٠]، أي: هل هناك إله يستحق العبادة مع هذا الإله العظيم الذي خلق وفعل هذا كله؟ وإن كان المفترض أن يكون جوابهم: لا، ولكنهم يعبدون غير الله ويشركون معه سبحانه وحالهم يفيد ذلك؛ لذلك كرر عليهم في كل آية من الآيات بعد أن يذكر النعم هذا

السؤال

هل إله غير الله يستحق أن يعبد، مع أن الله الذي فعل لكم ذلك، وغيره لم يفعلوا ذلك؟! لو أن إنساناً يقول: إن غير الله ممن لا يصنع ولا يخلق يستحق العبادة، فهذا لا يستحق أن يعيش في هذه الدنيا؛ لأنه لا عقل له ليفهم، فهو كالبهائم بل هو أضل سبيلاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>