للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصص لبعض من استجاب الله دعاءهم وكشف كربهم]

ذكر الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية قصصاً، وهي قصص عجيبة جداً، ولكنها ليست بغريبة على قدرة الله سبحانه وتعالى فهو {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٨٤].

يقول رحمة الله عليه راوياً عن الإمام الحاكم في ترجمة فاطمة بنت الحسن أم أحمد العجلية: تقول: هزم الكفار يوماً المسلمين في غزاة، فوقف جواد بصاحبه، -وكان رجلاً صالحاً- أي أنه: حينما كان الكفار قادمين نحوه، إذا بالجواد يقف ولا يهرب به، فيتعجب الرجل ويكلم جواده قائلاً ألم أعدك لهذا اليوم؟! فإذا بالجواد يرد عليه ويقول: إنك لا تعلفني، بل تكل العلوفة إلى غيرك فيظلمونني، فيجيبه الرجل قائلاً: عهد علي إذا رجعنا لأعلفنك في حجري، فيطير به الجواد، ومن ثم يلتزم صاحبه العهد، وهذا أمر عجيب! والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الذين من قبلنا: أن بقرة تكلمت، وليس أولئك بأحسن من هذا، فإنه من التابعين لمحمد صلوات الله وسلامه عليه، وليس عجيباً على أمر الله أن يحدث ذلك.

وفي الصحيح: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ركب رجل ممن كانوا قبلنا بقرة، فاستدارت إليه وقالت: ليس لهذا خلقت -أي: لم أخلق للركوب- إنما خلقت للحرث).

وتتمة القصة الأولى التي رواها ابن كثير عن الإمام الحاكم: فلما علم ملك الروم أن في المسلمين رجلاً كلمته دابة قال: لا يصلح إلا أن يكون عندنا، فالمكان الذي يكون فيه سيكون مباركاً، فأرسل إليه من يخطفه ويأتي به إليهم ممن كان من المرتدين، فذهب المرتد إليه وأظهر للرجل الصالح أنه أسلم وحسن إسلامه، فانخدع به، فكأنه خرج معه يوماً، وقد واعد المرتد غيره من الناس عند أطراف البلد ممن هم على شاكلته، فلما وصل هذا المسلم إلى هذا المكان، أخذوه وأرادوا الذهاب به إلى ملك الروم لعله يقتله، ولما يشكل وجوده في المسلمين من قوة حيث أنه مستجاب الدعوة، فإذا بالرجل يدعو ربه سبحانه وتعالى، ويقول: اللهم بك خدعوني -أي: إنما ذهبت مع هذا رجاء أن يسلم، وأن يحسن إسلامه، فقال لله عز وجل: فاكفنيهم بما شئت.

قال الراوي: فخرج سبعان في المكان الذي هو فيه فخططا الرجل الكافر ومن معه، وتركا الرجل الصالح.

والأسد عادة لا يفرق بين مسلم وكافر إلا أنه هنا فرق بينهما في هذا الموطن، ولا شك أن الله عز وجل هو الذي قدر ذلك.

ثم ذكر رحمه الله قصة هي أغرب من هذه القصة يقول: ذكر ابن عساكر بإسناده عن رجل قال: كنت أكاري على بغل لي في دمشق إلى بلد، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق غير المسلوكة، أي: غير المأهولة، فقال: ادخل في هذا الطريق، فقلت: لا أعرفه، قال: أنا أعرفه ادخل فيه، فلما دخلوا فيه وأصبحوا بعيدين عن الناس، نزل الرجل وأحضر سكيناً ثم أراد قتل هذا الرجل، فتوسل إليه الرجل بكل شيء، وقال له: خذ الدواب التي معي، والمال واتركني، قال: لا، إنما أريد قتلك أنت، يقول الرجل: فقلت له: فاتركني أصلي ركعتين، طالما أنك ستقتلني، فقال: عجل، قال: فقمت فارتج علي القرآن فلم أستطع أن أقرأ، وقد دخلت في الصلاة، والقتل ينتظرني، ولم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفاً متحيراً، قال: فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢]، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة، فرمى بها هذا الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعاً.

قال: فتعلقت بهذا الفارس، وقلت: بالله من أنت؟ قال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهذه القصة ليست بعجيبة على قدرة الله سبحانه وتعالى أن يرسل من يغيث هذا.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أن رجلاً خرج من قرية ليزور أخاً له في بلدة أخرى، فلما وصل منتصف الطريق، أرسل الله عز وجل إليه ملكاً، فقال: أين تريد؟ قال: أريد فلاناً في البلدة الفلانية، قال: لم؟ قال: أحبه في الله، قال: ألك حاجة عنده؟ قال: لا، قال: ألك نعمة تردها عليه؟ قال: لا، ولكنني أحبه في الله، قال: فأنا رسول الله إليك بأن الله يحبك كما أحببته).

فليس بعيداً على الله سبحانه وتعالى في تدبير كونه أن يرينا من ذلك ما يتعجب الإنسان منه، كأن يبعث إلى هذا من يقتل خصمه، والله يفعل ما يشاء، والذي يقرأ في السير والتأريخ يجد العجائب من إكرام الله عز وجل لعباده ما هو فوق ذلك بكثير؛ لكن الغرض بيان: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢].

فكلما اشتدت بالمسلم كربة من الكرب، تذكر أن الله يجيب المضطر إذا دعاه، وكلما اضطر الإنسان، واستشعر الضيق، وعدم القدرة، ولم يجد أحداً حوله قال: يا رب! ويكفيه ذلك.

فهذا لوط عليه الصلاة والسلام، لما ضاقت به الدنيا، ووقف يدافع قومه وحده، وكل قومه يدفعون عليه بابه، ويريدون أخذ أضيافه، وهو لا يعلم أن هؤلاء ملائكة الله سبحانه، إذا به يقول: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود:٨٠ - ٨١] فكان النصر حليفه، ومن يخاف عليهم هم الذين يدفعون عنه، وهذا عجيب من أمر رب العالمين سبحانه وتعالى، ولا غرو فهو يجيب المضطر إذا دعاه، ويستجيب دعاء من ناداه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>