للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي)]

قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:٨٤]، أي: إذا وصلوا لمكان حسابهم، حيث يجمعون للحساب ويتركون في موقف عظيم خمسين ألف سنة، وتدنو الشمس من رءوسهم، وهم لا يدرون ما يصنعون ولا ما يصنع بهم، فيقول بعضهم لبعض: من يشفع لنا ليقضي الله عز وجل بيننا؟ فيذهبون إلى آدم فيقول: اذهبوا إلى نوح، وهكذا حتى يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها أنا لها)، فهنا يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه في هذا الموقف يقول للكافرين: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} [النمل:٨٤]، يعني: التي أنزلت على رسلي والآيات التي أقمتها دالة على توحيدي؟ {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل:٨٤]، يعني: كيف تكذبون بها ولم تحيطوا بها علماً؟! والإنسان يعلم بعض الأشياء، ولا يحيط علماً بالشيء، قال الله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥].

فأي شيء من مخلوقات الله عز وجل قد يعرف الإنسان اسمه، وقد يعرف وصفه، وقد يعرف الفرق بينه وبين غيره، لكن لا يحيط علماً به ويقول: أنا عندي علم إحاطة بهذا الشيء، فمن المستحيل أن يصل الإنسان إلى ذلك، وكلما كثر علمه عرف جهله بأشياء كثيرة، وكلما قال: وصلت إلى شيء، وجد نفسه يجهل أشياء كثيرة في الشيء نفسه الذي وصل إليه.

فالله عز وجل يقول للخلق يوم القيامة: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل:٨٤]، يعني: لم تعرفوها حق المعرفة ولم تدركوها على يقين حقيقتها، ولم تحيطوا بالأشياء علماً، ولم تحيطوا بالآيات علماً، فكيف كذبتم هذه الآيات التي أنزلتها على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ {أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:٨٤] ماذا كنتم تعملون في الدنيا؟ تقريع وتوبيخ، أي: ماذا كنتم تعملون في هذه الدنيا حين لم تبحثوا عن هذه الآيات ولم تتفكروا فيها؟ وكأنه يوبخهم أن أمضوا أعمارهم في تضييع في عبث في لهو في تكذيب، ولم يحاولوا أن يفهموا ما جاء عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالله أعطاهم في كل شيء آية، فإذا بهم ينصرفون عن هذه الآيات، وبدلاً من أن يعبدوا الله سبحانه إذا بهم يكذبون ويضيعون الأعمار في التكذيب والرد على الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لذلك يقول لهم: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:٨٤].

ماذا كنتم تعملون في الدنيا؟ فقد تركنا لكم أعماراً في هذه الدنيا طويلة، فما الذي صنعتموه في أعماركم الطويلة غير التكذيب والإعراض عن الله عز وجل والهزل واللعب واللهو والعبث في الدنيا؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>