للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل)]

قال تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] أعطى الله موسى قوة عظيمة حتى إنه ضرب رجلاً بيديه ضربه واحدة فقتله، ومن قوته أنه يأتي إلى بئر ماء عليها زحام من الناس، وهو المسافر المسافة الطويلة والمحتاج للنوم والراحة، ومع ذلك يزاحم الناس ويسقي.

وقيل: إنه ذهب إلى بئر كانت مغلقة بحجر لا يحمله إلا عدد من الرجال فرفع غطاء البئر وحده وسقى أنعام هاتين الفتاتين، والله أعلم بالحال.

لكن معناه: أن الله عز وجل أمده بقوة عظيمة من عنده حتى يصبر على هذا الذي هو فيه ويفعل هذه الأشياء العظيمة.

ولما سقى لهما انصرف ولم ينتظر منهما الأجرة ولم يقل: أنا جائع أعطوني غنمة أكلها أو شربة لبن، فلم ينتظر أجراً إلا من الله.

انصرفت الفتاتان وتولى من موسى إلى ظل شجرة قال تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] يدعو ربه سبحانه وتعالى: رب إني محتاج لما تنزله علي من خير، أو إنك قد أنزلت إلي خيراً كثيراً وأنا محتاج إلى خير أكثر.

وهذا الدعاء العظيم والطلب من الله فيه أدب الأنبياء مع الله سبحانه وتعالى، فلم يقل له: أنا فقير أو أنا هارب أو جائع، ولكن قال: يا رب أنت قد أنعمت علي بنعم عظيمة، فأعطيتني القوة ونجيتني من فرعون ومن معه، وأطعمتني وربيتني وفعلت بي خيراً عظيماً، وأنا الآن محتاج لمزيد من الخير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>