للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وربك يعلم ما تكن صدورهم)]

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص:٦٩]، وأنه قد تكن صدورهم أشياء وقد يعلنون بها، وقد يعلنون بغيرها، فربك أعلم هل يتوافق ما تكن صدورهم مع ما يقولون بألسنتهم أم أنهم يضمرون شيئاً ويظهرون غيره؟ وكم فضح الله سبحانه وتعالى الكفار والمنافقين في كتابه بأنهم يسرون أشياء ويظهرون غيرها، ويظهر الله عز وجل أن هذه الأشياء التي يظهرونها ليست هي حقيقة الأمر، فيكرهون البنات ويظهرون أمام الناس أنهم يحبون البنات؛ لكون البنت تجلب العار على أبيها، هذا كلامهم وهذا باطلهم، والله عز وجل يفضحهم سبحانه أنهم يفضلون البنين على البنات؛ لكونهم يخافون من ضيق الرزق، والله عز وجل يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:٣١]، ويقول {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:١٥١].

كانوا يئدون البنات، والسبب في ذلك خوف الفقر، وأن البنت لا تقاتل ولا تجلب الرزق في ظنهم، فكان أحدهم يقتلها ليتخلص منها، ويظهر أمام الناس أنه ليس خائفاً من الفقر، ولكنه يخاف أن تكبر البنت وتقع في الفحش وغيره، ففضحهم الله عز وجل فيما أضمروا في قلوبهم، وأظهر سبحانه وتعالى هذا الذي يضمرونه.

وكذلك كانوا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: كذاب، ويقولون: ساحر، ويقولون: مجنون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن، فإذا بالله يظهر ما يبطنون، ويقول: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:٣٣]، أي: في حقيقة الأمر وفي قلوبهم هم يعلمون أنك صادق ولست كاذباً: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣].

والجاحد: هو الذي يعرف الشيء ثم يكذبه، ويكذب الشيء وهو في نفسه يعلم أن هذا هو الحق، فالله عز وجل يفضح ما في قلوبهم يقول له: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:٣٣] وإن كانوا بألسنتهم يقولون ذلك، لكن الحقيقة أنهم يضمرون في قلوبهم أنك صادق، ولكن الغيرة والحسد للنبي صلى الله عليه وسلم تدفعهم إلى أن يقولوا عنه: كذاب ويقولون: مجنون، ويقولون غير ذلك، فالله عز وجل يقول: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص:٦٩].

أيضاً كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: سل ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً، فإن فعل ذلك آمنا به.

والله يعلم أنهم لن يستجيبوا، ولم يفعل ولم يحول لهم الصفا ذهباً، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره ربه سبحانه أنهم لن يؤمنوا {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:٩٧]، فيخبر الله عز وجل أن فرعون ومن معه طلبوا الآيات ولم يؤمنوا بها، وجاءتهم الآيات مبصرة من عند رب العالمين فكذبوا بها، وهؤلاء القوم قد أظهر الله حقيقتهم وقد فضحهم وقد كذبهم فيما يقولون، فربك أعلم بما تكن صدورهم وما يعلنون.

وكذلك كل إنسان كافر يقول: إنه لا يعرف إلهاً، أو إن الصدفة هي التي أوجدته مثلاً، فإن الله يكذبه ويقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧]، سواء أظهروا ذلك بألسنتهم أم أخفوا ذلك، فهم في قلوبهم يعلمون أن الخالق الواحد هو الله تبارك وتعالى، وأنه هو الذي يخلق وهو الذي يرزق، لذلك على المؤمن أن لا يهتم بقول الكافر بأنه لا يوجد إله، فالمؤمن يعرف أنه كذاب؛ لأن الله شهد عليهم أنهم يعرفون ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>