للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد)]

يقول الله سبحانه: {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٧٠].

(وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) قد عبر الله بلفظ الرب وبلفظ الإله، فله الربوبية وله الإلهية، هو الرب الخالق، وهو الإله المعبود تبارك وتعالى، وهو الله المستحق للعبادة، فلا يستحق العبادة إلا من كان يخلق، والخالق سبحانه هو الرب، والرب هو من يختار ويريد ويشرع تبارك وتعالى، ولا يستحق العبادة إلا من كان يعلم السر وما هو أخفى من السر، وهو الله المعبود المستحق للعبادة.

(لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أي: فلا يستحق العبادة غيره تبارك وتعالى، ولا معبود بحق إلا هو.

(لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ)، فإن الله يُحمد في الدنيا وفي الآخرة، أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله تبارك وتعالى بمحامد عظيمة يقولها كما جاء في الحديث: (ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فالله سبحانه هو المستحق للمحامد جميعها، وقد حمد نفسه تبارك وتعالى في كتابه.

والحمد معناه: الثناء بالصفات الجميلة التي له سبحانه وتعالى، فله الحمد قبل أن يخلق، وله الحمد بعدما خلق، وله الحمد قبل أن ينزل الكتاب، وله الحمد بعدما أنزله، وقبل كل شيء وبعده؛ له الحمد سبحانه لأنه يستحقه، فله الحمد أولاً وآخراً.

(وَلَهُ الْحُكْمُ) بعد أن ذكر لنا في هذه الآيات ربوبيته التي مقتضاها أنه يخلق، وأنه يرزق، وأنه يصطفي ويجتبي ويختار، وأنه وحده الذي يستحق العبادة، وذكر لنا من صفاته أنه يعلم الغيوب سبحانه، ويعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وذكر لنا أن له الحكم وحده تبارك وتعالى، فهو يختص به كما اختص بالخلق ولا أحد يجادل في ذلك ويقول إن الخالق غير الله سبحانه وتعالى؛ فكذلك له الحكم وليس من حق أحد أن يشرع مع الله، ولا أن يلغي حكم الله سبحانه وتعالى، ولا يقول إن من حقه أن يحكم مع الله سبحانه، فإن الله تعالى له وحده الحكم وإليه المرجع والمصير.

(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فالمرجع إلى الله تبارك وتعالى، وهنا يخبرنا عن صفاته لنعرف الله سبحانه، ولم يترك المعرفة لنا في أن نفكر ونؤلف ونقول: من صفاته كذا وكذا، ولكنه أخبرنا عن نفسه، وأخبرنا عن صفاته، وأخبرنا كيف نعبده سبحانه وتعالى، ولم يترك ذلك لأهوائنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>