للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب طغيان قارون ونصح قومه له]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٦ - ٧٨].

ذكر الله عز وجل في هذه الآيات قصة من قصص القرآن وفيها عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

والمؤمن يعتبر من القصص التي في كتاب الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يذكر لنا فيها مواطن العبر والعظات.

كان الرجل من قوم موسى، وكان اسمه قارون قالوا: كان ابن عم موسى أو كان قريباً لموسى عليه الصلاة والسلام، فهو من بني إسرائيل، وبنو إسرائيل كانوا مستذلين في مصر من فرعون وملئه وجنوده، وهذا الرجل منهم ثم بغى عليهم واستكبر ورأى أنه أفضل منهم وأنه أحسن منهم؛ لأن الله أعطاه مالاً كثيراً.

فسبب بغيه وطغيانه أن الله عز وجل آتاه كنوزاً عظيمة قال: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:٧٦]، إذا كانت هذه المفاتيح فكيف بالكنوز نفسها، فقد كان العشرة من الرجال لا يقدرون على حمل مفاتيح الخزائن، فاغتر هذا الرجل بماله واغتر بما آتاه الله سبحانه وتعالى من كنوز.

قال الله سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ} [القصص:٧٦].

أي: لا تغتر، ولا تستكبر، ولا تكن من المفسدين؛ لأن الفرح المطغي للإنسان يجعله يفسد فيكون فاسداً في نفسه بعيداً عن الصلاح، ويكون مغوياً لغيره، فهو باستكباره وهو من بني إسرائيل يدفعهم إلى أن يحسدوه وإلى أن يتمنى كل منهم الدنيا ويتناسى الدار الآخرة، وهذا الذي حصل من كثيرين منهم.

وهنا يذكر الله عن بعض قومه قولهم له إن الله عز وجل لا يحب الإنسان الذي يبطر ويستكبر على الخلق ويرى نفسه أفضل منهم، فالله لا يحب من يفرح هذا الفرح الغامر الذي يجعله يتعالى على غيره، وإلا فإنه يجوز للإنسان أن يفرح بما آتاه الله من مال وعلم وحكمة، ويفرح المؤمنون بنصر الله كما قال الله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:٤ - ٥].

فالفرح الذي يحبه الله عز وجل لعباده هو أن يسر المؤمن برحمة الله سبحانه، وأن ينسب الخير إلى ربه سبحانه، فيفرح لأنه مؤمن؛ ولأن الله أعطاه من نعمه فيشكر الله عز وجل ويحمده عليها، أما الفرح الذي لا يحبه الله عز وجل ويبغض صاحبه فهو الذي يدفع صاحبه للغرور، وللإفساد في الأرض، وللشعور بأنه أعلى من غيره.

قال الله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

فكانت نصيحة له ذكرها الله عز وجل في القرآن لتكون نصيحة لكل منا، والإنسان حين يعطيه الله عز وجل المال الكثير يعلم أن المال مال الله عز وجل، ويعلم أن الدنيا زائلة، وأنه سيترك هذا المال يوماً من الأيام، فإذا كان الأمر كذلك فليتصرف في هذا المال بما يرضي ربه سبحانه وتعالى، وبما يجعله له ذخراً في الآخرة، فيعمل الصالحات ولا يقال للإنسان: تصدق بجميع مالك، ولكن تصدق بشيء وأبق شيئاً لأهلك فهو خير لك.

فقال له قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} [القصص:٧٧]، أي: في هذا الذي أعطاك الله عز وجل ابتغ الدار الآخرة، فخذ من مالك وأنفق في سبيل الله سبحانه، وأنفق على قومك، وأنفق على من يجب عليك أن تنفق عليه، وابتغ بهذا المال إصلاح دنياك وإصلاح أخراك.

{وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧]، الإنسان يحب أن يكون له أشياء يختص بها في الدنيا، يكون له بيت، يكون له قصر، يكون له طعام، يكون له شراب، يكون له زوجة أو زوجات، فمهما أخذت فلا حرج عليك طالما أنها مباحة لك شرعاً، ولكن قد قال الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١]، فلا يجوز للإنسان أن يسرف، وأن يضيع ماله فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة، كل بقدر معلوم، واشرب بقدر معلوم، ولا تتجاوز الحد فتتعب نفسك وتحرم غيرك.

فقال له قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ} [القصص:٧٧]، أي: تذكر أن هذا من عند الله عز وجل فابتغ الدار الآخرة بهذا: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧]، أي: خذ من هذه وهذه، فالمؤمنون يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

والكافر يسأل الله عز وجل الدنيا، يريد المال والبنين والمنصب، ويريد كل شيء فيها وينسى الدار الآخرة، فحذره قومه من ذلك، وذكروه وقالوا: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:٧٧]، {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠]، أي: أحسن الله عز وجل إليك فأعطاك، فأحسن أنت إلى غيرك، فجزاء الإحسان إحسان من الله سبحانه، إذا أحسنت وأعطيت للناس فإن الله سيعطيك: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

تذكر هذه الآية، وقس ما في هذه الآية على ما صنعه هذا الرجل، الله سبحانه وتعالى ذكره على ألسنة قومه فلم يتذكر ولم يعتبر، قالوا له: تذكر أن الله قد أحسن إليك، لا؛ لأنك تستحق ولكن لفضله سبحانه ولكرمه.

{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ} [القصص:٧٧]، أي: لا تطلب الإفساد في الأرض: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٧٧].

{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:٧٦]، لما سمع ذلك ازداد كبراً، وازداد غروراً ولم ينتصح بهذه النصيحة الجميلة بل رد عليهم رداً لا يدل على عقل وإنما يدل على جهل.

قال الله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧]، فكانت نصيحة له وذكرها الله عز وجل في القرآن لتكون نصيحة لكل منا، والإنسان حين يعطيه الله عز وجل المال الكثير يعلم أن المال مال الله عز وجل، ويعلم أن الدنيا زائلة، وأنه سيترك هذا المال يوماً من الأيام، فإذا كان الأمر كذلك فليتصرف في هذا المال بما يرضي ربه سبحانه وتعالى، وبما يجعله له ذخراً في الآخرة فيعمل الصالحات، ولا يقال للإنسان: تصدق بجميع مالك، ولكن تصدق بشيء وأبق شيئاً لأهلك فهو خير لك، فقال له قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} [القصص:٧٧]، أي: في هذا الذي أعطاك الله عز وجل ابتغ الدار الآخرة، فخذ من مالك وأنفق في سبيل الله سبحانه، وأنفق على قومك، وأنفق على من يجب عليك أن تنفق عليه، وابتغ بهذا المال إصلاح دنياك وإصلاح أخراك.

{وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧]، الإنسان يحب أن يكون له أشياء يختص بها في الدنيا، يكون له بيت، يكون له قصر، يكون له طعام، يكون له شراب، يكون له زوجة أو زوجات يحب أن يختص بشيء، فمهما أخذت من أشياء مباحة فلا حرج عليك طالما أنها مباحة لك شرعاً، ولكن قد قال الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١]، فلا يجوز للإنسان أن يسرف، وأن يضيع ماله فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة، كل بقدر معلوم، اشرب بقدر معلوم، لا تتجاوز الحد فتتعب نفسك وتحرم غيرك، فقال له قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ} [القصص:٧٧]، أي: تذكر أن هذا من عند الله عز وجل فابتغ الدار الآخرة بهذا: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧]، أي: خذ من هذه وهذه، فالمؤمنون يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

والكافرون يسألون الله عز وجل الدنيا يريد المال والبنين، والمنصب ويريد كل شيء فيها وينسى الدار الآخرة، فحذره قومه من ذلك، وذكروه وقالوا: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:٧٧]، سبحانه: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠]، أي: أحسن الله عز وجل إليك فأعطاك، فأحسن أنت إلى غيرك، فجزاء الإحسان إحسان من الله سبحانه، إذا أحسنت وأعطيت للناس فإن الله سيعطيك: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧]، تذكر هذه الآية وقس ما في هذه الآية على ما صنعه هذا الرجل، الله سبحانه وتعالى ذكره على ألسنة قومه فلم يتذكر ولم يعتبر قالوا له: أحسن وتذكر أن الله قد أحسن إليك ليس؛ لأنك تستحق ولكن لفضله سبحانه ولكرمه، وإياك أن تفسد في الأرض، {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ} [القصص:٧٧]، أي: لا تطلب الإفساد في الأرض: {

<<  <  ج:
ص:  >  >>