للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قال إنما أوتيته على علم عندي)]

قال الله سبحانه: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨].

قالوا: كان هذا الرجل يقرأ التوراة ويجيد قراءتها، فيقول: لأني أحسن منكم في القراءة أنا أستحق هذا الشيء.

أو قال: على علم من عندي يعني أنا ذكي وأنا أستحق ذلك بتعبي وبكدي.

وكثير من الناس يعطيه الله عز وجل من فضله فيقال له: احمد ربك على ما أعطاك فيقول: أنا ذكي وأعرف أشتغل، وأنا أجيد عملي وأعتمد على نفسي، وينسى الله سبحانه وتعالى، كم من إنسان يفعل كما فعل قارون مع الفارق بين الاثنين، قارون أوتي كنوزاً عظيمة وهذا قد يؤتى شيئاً حقيراً يسيراً، هذا يقول: أوتيته على علم مني، وذاك يقول: بذكائي وبقوتي وبتفكيري وسأخطط وسأعمل، وينسى تدبير الله سبحانه وتعالى.

{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨]، يعني: على علم بوجوه التجارة ووجوه الكسب، والأماكن التي يمكن أن أكسب فيها.

{أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} [القصص:٧٨].

يعني: هذا الإنسان الذي أعطاه الله عز وجل مالاً، وأعطاه رجالاً، قد مر قبله قرون كثيرة كان فيهم ملوك وعظماء عندهم الأموال وعندهم الجيوش، وهذا لا يساوي شيئاً بجوار هؤلاء الملوك، وإن كان يضرب به المثل في الغنى، ولكن الله عز وجل قد أهلك قبله من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً للدنيا.

{وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨].

فكأنه سبحانه وتعالى يحذر الإنسان إذا آتاه الله عز وجل من المال وآتاه من الكنوز أن يغتر بذلك، بل عليه أن يحذر من الغرور وأن يتذكر السابقين، فإنهم اغتروا فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، ولو كان المال يدل على فضل صاحبه لما أهلك الله عز وجل هؤلاء بذنوبهم، فقد أعطاهم أموالاً كثيرة ثم أهلكهم بذنوبهم فليعتبر قارون وليعتبر من يقلده.

لكن قارون لم يعتبر مع أن الله عز وجل قد نصحه على ألسنة قومه وعلى لسان موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولكن لم يتفكر ولم يتذكر أن السابقين كان عندهم أموال كثيرة وما وصلت إليك هذه الأموال إلا حين تداولها السابقون، فلم يكن المال مالك، ولم تولد ومعك هذا المال ولكن أخذته ممن جمعه قبلك، وتذكر أن من كان معه هذا المال قبلك قد أهلكه الله سبحانه، وأنه لم يعطه المال لفضله.

واعتبر بفرعون الذي هو ملك وأنت لست ملكاً وإنما أنت رجل تملك مالاً وهذا الملك أهلكه الله سبحانه وتعالى، فقد كان عدواً لموسى وأنت تعلم ذلك، وكم أهلك الله من قبله من القرون من هو أشد قوة وأكثر جمعاً للمال.

{وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨]، أي: لا يحتاج الله سبحانه أن يسألهم سؤال استفهام، فهو قد أحصى عليهم كل شيء فعلوه، فلا يسألهم سؤال من لا يعرف، وإنما يسألهم سؤال توبيخ وتقرير وتبكيت وفرق بين سؤال وسؤال.

فأن تسأل الإنسان عن الطريق الذي يوصلك إلى مكان كذا؛ لأنك لا تعرف، وحين تسأل إنساناً بقولك أنت عملت هذا الشيء وسأحاسبك عليه، فأنت تسأله لتبكته، فهم لا يسألون سؤال من يجهل حالهم، أو سؤال من يكرمهم بذلك، وإنما سؤال إهانة، وتبكيت وتقريع، وتوبيخ يوم القيامة، فالله عز وجل يذكر أنه سيسألهم قال: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:٩٢ - ٩٣]، ويقول هنا: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨]، ولا تعارض؛ فإن الله عز وجل سيسألهم سؤال العالم بهم، فهو علام الغيوب سبحانه وتعالى، ولن يسألهم سؤال من لا يعرف عنهم شيئاً، بل يسألهم سؤال القادر العالم الذي يبكت على الشيء، ثم يدخلهم النار بعد ذلك، فلا يسأل عن ذنوبهم المجرمون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>