للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فخرج على قومه في زينته)]

وذكر سبحانه وتعالى أنه خرج على قومه في زينته وذكرنا قبل ذلك قصة لـ قارون مع موسى عليه الصلاة والسلام تدل على كفر هذا الرجل، وإن كان من قوم موسى عليه الصلاة والسلام، وإن كان من أحسن قراء التوراة في عصره، ولكنه أراد أن يكيد لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

ومن كيده أنه ذهب إلى امرأة بغي وأعطاها مالاً، قيل: أعطاها ألفي درهم ثم سألها أن تقول أمام الناس إن موسى عليه الصلاة والسلام زنى بها.

وجاء بالناس وقال لهم: موسى يفعل كذا وكذا، وذهب إلى موسى أمام الناس وقال: ما جزاء من يزني في شرعك؟ فقال له موسى عليه الصلاة والسلام إنه يرجم، قال: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، فإذا به ينادي على المرأة فتقول: إن موسى زنا بها! فلما قالت ذلك دعا موسى ربه سبحانه وتعالى، ثم قرر المرأة ما الذي تقولينه؟ فقالت: لقد أعطاني مالاً حتى أقول عليك كذا، فرجعت عن كلامها، فدعا موسى على قارون فاستجاب الله سبحانه وتعالى له استجابة عجيبة جداً، فقد جعل هذا الرجل يعلو فجأة أمام الناس حتى يأخذه وهو في علوه وغروره فيجعله عبرة للناس حوله.

فإذا ب قارون يزداد عتواً وغروراً فيخرج على الناس في يوم عيد ليريهم أنه أعلاهم، وأنه أفضلهم، فتزين زينة عظيمة، وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآية أنه خرج على قومه في زينته، وترك لك أن تتخيل ما هذه الزينة، ولم يفصل لنا ما هي، ولكن واضح أنه خرج على الناس، ولن يخرج لوحده، ولكن تخيل أنه خرج في غلمانه، مع أولاده، ومع الجواري، معه مال يتزين به غير الذي تركه في دياره وفي خزائنه، لقد خرج على الناس في زينته ليريهم أنه أفضل منهم، وحتى يتحسروا على ما هم فيه من فقر، فكان الرجل فتنة لهم.

فلما خرج {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا} [القصص:٧٩]، والأمة التي مع موسى هم بنو إسرائيل فيهم المؤمن القوي، وفيهم المؤمن الضعيف الإيمان، فيهم الصالحون وفيهم الفاسدون، فقال كثير منهم وهم الذين يريدون الحياة الدنيا واغتروا بما رأوه من قارون {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:٧٩].

أي: يا ليت عندنا مثل ما عند هذا الإنسان، والإنسان أحياناً ينسى النعم التي أعطاه الله سبحانه وتعالى في بدنه وفي قلبه وفي عقله وفي لسانه، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠].

والله عز وجل نعمه عظيمة على الإنسان لكنه ينساها إذا نظر إلى ملك من الملوك يتبختر أمامه، فتراه يقول: ياليت عندي مثل ما عند فلان، كذلك هؤلاء قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:٧٩]، فإن الله قد فتح له باباً واسعاً جداً، فعنده المال الكثير، وعنده الحظ العظيم: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظيمٍ} [القصص:٧٩].

وأهل الإيمان وأهل الطاعة يعرفون أن هذا كله زائل ولن يبقى منه شيء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>