للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حديث الدجال آخر الزمان]

في حديث رواه مسلم عن النواس بن سمعان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما جئنا إليه عرف ذلك فينا، قال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت -يعني: ذكرت من أمره الذي أفزعنا وخوفنا منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) يعني: كأنه يوصي ربه سبحانه وتعالى بأن يخلفه على كل مسلم، ويطلب ذلك من ربه سبحانه وتعالى.

ثم ذكر لهم صفاته وكيف يعتصمون منه، قال: (إنه شاب قطط عينه طافية كأني أشبهه بـ عبد العزى بن قطن).

فقوله: (شاب قطط) يعني: شعره جعد وقوله: (عينه طافئة) وفي رواية: (طافية)، كأنه أعور.

قال: (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) ولذلك أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ الآيات العشر الأول من سورة الكهف، وعشر آيات أخيرة من سورة الكهف.

قال: (إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا.

قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم)، يعني: سيعيش في الأرض أربعين يوماً، ولكن من هذه الأربعين يوم كسنة حقيقية، ولذلك سألوا النبي صلى الله عليه وسلم (قالوا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا، اقدروا له قدره) معناه: أن الشمس تطلع وتغرب فيكون هذا اليوم ثلاثمائة وستين يوماً تمر على العباد أو أقل من ذلك فقال: (اقدروا له)، أي: تحدد وقتك بالزمن ما بين الفجر والظهر وما بين الظهر والعصر، وما بين العصر والمغرب، يعني: تحسب أوقات الصلاة بالساعات.

قال: (قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح) يعني: كالريح تأتي شديدة، وقليل يأتي منها الغيث، فهذا كالغيث الذي استدبرته الريح.

قال: (فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر).

أي: يأتي على قوم من الناس يفتنهم فيقول: أنا ربكم، فيؤمنون به، فعندما يؤمنون به، يأمر السماء أن أمطري، فينزل المطر عليهم، ويأمر الأرض أن أخرجي الحب وتنبت لهم، وتصير الإبل والبقر والغنم أعظم ما تكون في السمن، ويذهب الدجال إلى أناس آخرين فيكفرون به، قال: (ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم).

وهذه فتنة عظيمة لهؤلاء المؤمنين الصالحين، فإذا بأرضهم بعد أن كانت تنبت تكون يابسة، ولا مطر ينزل عليهم.

قال: (ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) أي: مثل ذكور النحل، فتتبعه الذهب والفضة وكنوز الأرض.

قال: (ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل) وهذا أفضل أهل الأرض إيماناً في ذلك الحين ومن أعظم الشهداء، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدعوه ثم يطلب منه أن يؤمن به فيرفض أن يؤمن به، فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين ويمشي بين شقيه لكي يخيف الناس.

قال: (ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك، فيسأله: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة بأنك المسيح الكذاب الذي أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)، فيريد أن يقتله مرة ثانية فلا يسلط عليه، يعني: هو لن يقتل إلا رجلاً واحداً يقتله مرة ويحييه مرة، ولا يسلط عليه بعد ذلك؛ لأن الله يخزيه أمامهم.

قال: (فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء في دمشق بين مهرودتين) يعني: يلبس ثوبين، قال: (واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ) يعني: كأنه خارج من حمام، ما زال يتصبب عرقه مثل الجوهر واللؤلؤ، وهيئة الإنسان النظيف الخارج من الحمام يتساقط منه ماؤه، فهذا المسيح صلوات الله وسلامه عليه يخرج على الناس على هذه الصورة.

قال: (فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه)، فالله يفعل ما يشاء، فالإنسان يشم رائحة نفس المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام ويموت، ونفسه يصل إلى منتهى طرفه، فهذا شيء عجيب من أمر الله، أنه يهلك الكفار الموجودين بأنفاس المسيح صلوات الله وسلامه عليه، ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه.

قال: (حتى يدركه بباب لد) أي: في مكان اسمه لد قال: (فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم) يعني: الناس الذين عصمهم الله من الدجال، يأتون المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فيربت عليهم ويمسح على وجوههم ويحدثهم صلوات الله وسلامه عليه بدرجاتهم في الجنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>