للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الروم: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:١٧ - ٢١].

لما أمر الله سبحانه وتعالى عباده بتسبيحه سبحانه حين يمسون وحين يصبحون، وبالعشي وحين يظهرون، فيها إشارة إلى الصلوات الخمس كما قدمنا في الحديث السابق، وقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} [الروم:١٧]، أي: فسبحوا الله تسبيحاً وسبحانه، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم:١٧] أي: وقت المساء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:١٧] أي: وقت الصباح.

فالتسبيح المقصود: أن العباد يسبحونه ويقدسونه سبحانه، ويذكرونه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وسبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، تقديساً لله وتنزيهاً له من أن يشبهه شيء من خلقه سبحانه وتعالى، فقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:١٧]، والمساء: هو الليل، وصلوات الليل: المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:١٧]، صلاة الصبح، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:١٨]، هذه جملة معترضة، {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:١٨] أي: سبحوه في وقت العشي في صلاة الظهر والعصر.

ونص على الظهر فقال: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:١٨]، فهو إشارة إلى الصلوات الخمس، وبعمومه أمر بتسبيح الله عز وجل في كل وقت، فالمسلم يكثر من قوله: سبحان الله، يسبح الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمة العظيمة، والمؤمن عندما يقول: سبحان الله يؤجر عليها، وهذه من الباقيات الصالحات والمعقبات التي لا يخيب قائلهن كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخيب قائلهن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، فالإنسان الذي يقول ذلك يفلح عند الله ولا يخيب أبداً، فقد جاء في الحديث أن: (غراس الجنة سبحان الله، والحمد لله)، غراس الجنة يعني: تغرس غرساً في الجنة بأنك تقول: سبحان الله، والغرس في الدنيا هو غرس شجرة في الأرض أو نخلة في الأرض، فتغرس لنفسك في الجنة غراساً وأشجاراً ونخيلاً، وذلك بأن تقول: سبحان الله وتكرر هذه الكلمة، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، فتستحق موضعاً في الجنة وغرساً في الجنة بذلك.

وإذا أصبحت فقلت: سبحان الله وبحمده، مائة مرة أفضل لك عند الله سبحانه من أن تحمل على مائة فرس في سبيل الله سبحانه وتعالى، ومن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

والأحاديث كثيرة في فضل التسبيح والمسبح لربه سبحانه وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض).

لذلك فإن المؤمن لا يستقل قوله: سبحان الله، بل ينظر إلى معناها وإلى الثواب الذي من ورائها.

واعترض بقوله سبحانه: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:١٨] أي: هو الذي يحمده أهل السموات ويحمده أهل الأرضين، وهو المستحق لذلك سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>